رئيس التحرير
عصام كامل

التغيير الحقيقي يبدأ من هنا!

العالم يتغير بسرعة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتكنولوجيا؛ وهو ما يطرح سؤالا قديما متجددا: هل استعد عالمنا العربي بما يكفي للتكيف مع التحديات  العالمية الكبري؟ والتي ستسفر حتما عن ميلاد نظام كوني مغاير عما قبل كورونا والحرب الأوكرانية.. وفي أي اتجاه ستذهب الدول العربية؟! 

 

هل تذهب إلى جانب المعسكر الغربي بزعامة أمريكا التي يكاد نجمها يأفل؛ ومن خلفها أوروبا التي تعاني شتاء قاسيا جراء تعثر إمدادات الطاقة من روسيا؟! ام تذهب إلى جانب الحلف الشرقي البازغ بقيادة الصين ومعها روسيا وإيران؟! أم تبحث عن طريق ثالث كالذي رسمه ناصر ورفاقه من قادة ورؤساء دول شقوا طريقهم آنذاك لخلق تكتل عدم الانحياز؟! أم أن الظرف غير الظرف والحال غير الحال.. وما معايير اختيار هذا الجانب أو ذاك إذا لم يكن من الاختيار بد؟!


الصدمات الاقتصادية أصعب ما تواجهه أمتنا الآن ثم تأتي قضايا التعليم وكفاءته، والإرهاب وضراوته، وثورة الإنترنت وما أحدثته من تغيرات فاقت كل تصور وتجاوزت كل حد وتحولت للأسف بفضل سوء الاستخدام إلى شبح مخيف مزق العلاقات وشوه القيم والأخلاق وأضاع ما كان من تماسك أسري طالما كان مثار حسد من الغرب يوما ما، واهتزت بفضلها قيم اجتماعية كانت راسخة؛ الأمر الذي يعني أننا في حاجة إلى بعث جديد لأخلاقنا الأصيلة التي يمكنها أن تقاوم رياح التذويب ومحاولات التشويه والتشويش.


الدولة المصرية في عهد الرئيس السيسي لديها تركيز على بناء المجتمع من الداخل وتعزيز البنية الأساسية والإصلاح الاقتصادى ومقاومة الإرهاب وتحقيق الحوكمة الرشيدة، بجانب الاهتمام بالتعليم والصحة.. لكنها لا تزال بحاجة لجهود مضاعفة لتحقيق مستهدفانها.. وحسنا فعلت الحكومة حين شرعت في ترشيد نفقاتها ووقف أي مشروعات ذات مكون دولاري لا تتحمله ظروفنا الحالية.. 

 

وليتها تعيد النظر في مسألة المستشارين بالوزارات والأجهزة الحكومية المختلفة وخفض أعداد العاملين بسفاراتنا وبعثاتنا الدبلوماسية في الخارج ومعاملة السفارات الأجنبية بالمثل في الحصول على السلع المدعمة وفي صدارتها المحروقات أو مشتقات النفط المختلفة لوقف أي هدر أو إسراف.


كثيرون يفكرون في تغيير العالم للأفضل لكن لا أحد يفكر في تغيير نفسه رغم أن أي تغيير حقيقي لابد أن يبدأ بالنفس يقول الله تعالى: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ".. لكن ليس كل الناس يملك القدرة على البدء بنفسه أو التكيف مع التغيير أو حتى القبول به رغم أن الحكمة تقول: إن التقدم مستحيل بدون تغيير، وأولئك الذين لا يستطيعون تغيير عقولهم لا يستطيعون تغيير أي شيء.. 

 

ومن ثم فنحن في حاجة إلى صحوة عقل وأخلاق ووقفة حاسمة مع أنفسنا وضمائرنا لمراجعة سلوكيات وعادات مرذولة درجنا عليها حتى باتت مألوفة وغير مستهجنة كالتواكل والأنامالية والكسل والتماهي مع الخرافة وانتظار التغيير بأيدي الغير والعناية باحتياجات الجسد وإغفال الروح والعقل وهما الأمانة الحقيقية وجوهر الإنسان..

 

 

يقول الشاعر: أقبل على النفس واستكمل فضائلها.. فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
ترقية السلوك وتهذيب الاخلاق مهمة مجتمعية لا يكفي أن تقوم بها الحكومة وحدها بل تحتاج لجهد كل فرد منا وأن يبدأ كل إمريء بنفسه؛ فالتغيير الحقيقي يبدأ من هنا من الداخل.. فهل نحن مستعدون؟!

الجريدة الرسمية