سلسلة ما وراء التسريحة (8)
كهف العناكب الملعونة
دخلت بصحبة أبو رجل مسلوخة (أو الإله بس) إلى الكهف الذي لم يكن مظلما بالقدر الذي يحجب الرؤية تماما، بل كانت الأمور داخله أشبه بليلة غاب عنها القمر، بينما هناك ضوء خافت للغاية يسمح برؤية الأجسام في هيئة أشباح.
ومع أول خطوة داخل الكهف، سمعت بكاء ونحيبا عجيبا يصدر من ذلك الكائن الأعجب، إذ قال لي أبورجل مسلوخة إنه «يخاف من الضلمة» وأخذ يدبدب بقدميه في الأرض، فربت على كتفه كي أجعله يهدأ قليلا، فبكى في حضني كما تبكي من خذلها حبيبها في حضن أمها.
وعرفت من أبو رجل مسلوخة إن إصابته بفوبيا الأماكن المظلمة نشأ معه منذ كان طفلا، حيث حضرته امرأة مصرية من الأسرة الفرعونية الثانية كي تخيف به أطفالها، ليتفاجأ بأنه حشر مع أبنائها في غرفة مظلمة، بينما العيال – الله يسامحهم – ظلوا يلطشون فيه ويضربون ويسخرون منه، وهو غارق في الظلام محاولا تفادي الضربات لكنه بالطبع فشل، ومن ساعتها وقد أصيب برهاب شديد جعله يخشى الأماكن المغلقة وخاصة المظلمة منها.
سلسلة ما وراء التسريحة 7
طلبت من أبو رجل مسلوخة أن يبقى خارج الكهف، وقررت أنا أن أخوض المغامرة وحدي، من أجل البحث عن سلسلة مفاتيحي.. تلك السلسلة التي ورطتني في كل هذه المشاكل.
غصت في باطن الكهف لنحو مائة متر، إذ سرت لنحو عشر دقائق بخطوات بطيئة وأنا أضع يدي على الجدران لتكون هي مرشدي في رحلة دخول الكهف والخروج منه – إذا كتب لي ذلك يعني – والعجيب إنني كنت ألمس نقوش بارزة على تلك الجدران أعتقد أنها رسوم مجسمة لعناكب عملاقة.. وربما تكون عناكب طبيعية الحجم، لكن نظرا إلى كوني الآن في حجم عقلة الأصبع، فإنني أراها عملاقة كبيرة الحجم.
واصلت الرحلة، ومن وقت لآخر كنت أدقق نظري نحو الأشياء التي أظنها تلمع، فربما تكون هي سلسلة مفاتيحي، غير أن أملي في كل مرة كان يخيب، كرجل لم يحالفه الحظ في ليلة عرسه.
فجأة سمعت صوتا عاليا ظننته جرس المدرسة المجاورة لمنزلنا، لكنه كان شديدا لدرجة مخيفة، وتبين لي بعد ذلك أنه صوت دقات الساعة.
وما إن توقف صوت دقات الساعة، إلا وتلك النقوش على جدران الكهف تتحول إلى عناكب حقيقية ضخمة جدا، كان الواحد منها ينزع نفسه انتزاعا من على الجدار، فيحرر رأسه أولا ثم أرجله واحدة تلو الأخرى، وهكذا أصبحت كل العناكب كائنات حقيقية أمامي وليست مجرد نقوش بارزة كما كنت أظنها.
هنا بدأ قلبي يدق بصوت يكاد يغطي على صوت دقات الساعة التي سمعتها من قبل، بل إن قلبي ذات نفسه كاد ينخلع من صدري، فقد رصدني أحد العناكب، فرأيت عينيه تضيئان مثل الكشافات التي كان الدكتور فرغلي يستخدمها في غرفة الأبحاث الخاصة به.
سلسلة ما وراء التسريحة 6
وعلى ذكر الدكتور فرغلي، وبينما أنا غارق في خوفي كالغارق في عرقه، تذكرته حين أخبرني شيئا مهما عن العناكب، بعدما أمسكت عنكبوتا كان يعشش بالغرفة، إذ قال لي العالم الكبير إن العناكب تنشط عند الساعة السابعة وخمس وثلاثين دقيقة بالتمام والكمال مساء كل يوم!
ولما سألته عن السبب وهل لهذا علاقة بسر ما، أخبرني إنه أمر بيئي بحت، لكنه ذكر لي أسطورة قديمة تقول إن العناكب تنشط في البيوت عند موعد العشاء، وذلك لأنها تحاول استغلال سكان المنزل بهذا الطقس اليومي، الذي يسمح لها بأن تتحرك بحرية أكبر لتنفذ مهامها.
- مهام.. أي مهام يا دكتور؟!
- تقول بعض الأساطير إن الآلهة صنعت العنكبوت من عصير مقدس مأخوذ من شجرة الشر، وأن أول مهمة أوكلت لهذا العنكبوت كان تقييد العصاة بالخيوط التي يفرزها والزحف نحوهم ثم امتصاص دمائهم حتى الموت.. وفي أسطورة أخرى يونانية فإن العنكبوت كان امرأة تدعى أراكني وكانت ماهرة جدا ومبدعة في عملية غزل الخيوط، لكن «أثينا» إلهة الحكمة والقوة حولتها إلى حشرة كريهة لأنها عصتها.
هكذا رد علي الدكتور فرغلي وقتها، وها أنا أرى ذلك العنكبوت الضخم مصطحبا عددا من العناكب الأخرى يسيرون نحوي بحركة بطيئة لكن خوفي جعلني أرتبك ولم أعد قادرا على الحركة أو حتى محاولة الهرب.
اقتربت العناكب مني، وأحاطت بي، ثم بدأت في فرز خيوطها لتقيدني، وفي ظلمة استسلامي، شعرت وكأنني استمع إلى صوت حسنات زوجتي، وربما لم أكن أنا وحدي الذي سمع الصوت، إذ انتبهت له العناكب وأخذت تتبادل النظرات فيما بينها، فسارعت أنا مستغلا الموقف كي أفر هاربا منها.
ركضت بأقصى سرعة لدي، وهي طبعا سرعة تشبه سرعة السلحفاة، إذا ما وضعنا في الحسبان حجمي الصغير، لكنني في نهاية المطاف ابتعدت عن العناكب بما يكفي لأن أبحث عن شقا داخل أحد الجدران بالكهف، فحشرت نفسي فيه مختبئا، بينما العناكب تسير هنا وهناك بحثا عني وكأنها عناصر شرطة في دورية ليلية، مع اقتراب كل واحد منها كان قلبي يقفز من صدري.
سلسلة ما وراء التسريحة 5
مرت العناكب دون أن تلاحظني، فتنفست الصعداء، وهممت بالخروج من الشق، غير أنني تفاجئت بأحد العناكب يقف أمامي وهو يحفر الأرض بأرجله.. ترى هل يحفر لي قبرا أما أنه يقلد الثيران التي تتأهب للانقضاض على المصارع؟!
ركضت هاربا، لكن العنكبوت أطلق خيوطا من فمه طالتني، وقيدت يدي، فانتزعت الخيط عني، لكن الخيوط بدأت تتوالى، وكلما تخلصت من خيط ألقى ذلك الملعون خيطين بدلا منه، إلى أن شل حركتي تماما، وأخذ يقترب مني.
في هذه الأثناء وجدتني -على غير العادة – لست مستسلما، فلازلت أقاوم وأحاول الخلاص من الخيوط، حتى أن العنكبوت مد ساقا نحوي، فعضضتها بأسناني فصرخ مبتعدا، ثم عاود الكرة مرة أخرى وأخذ يغرس ساقه في لحمي، ومع تألمي الشديد، نجحت في فك الخيوط التي تقيدني فتحررت منها، وخلعت تلك الساق التي نشبها العنكبوت في ظهري، فانخلعت في يدي، ورحت أصد ضرباته بالساق نفسها التي انتزعتها منه.
وهكذا استمر القتال بيننا، والذي انتهى بضربة قوية مني على رأس العنكبوت أسقطته أرضا، فأخذت أتنفس بقوة كالقائد المنتصر في معركة حربية، لكن قبل أن تكتمل النشوة، وجدت اثنين من العناكب يقتربان مني بينما قواي قد خارت تماما.
راح العنكوبتان يزحفان نحوي وأنا ممدد على الأرض، فأمسكا بي وراح جرجراني إلى شق في جدار الكهف، وحبساني فيه، وبدأ يصبان خيوطهما على فوهة الشق ليمنعاني من الخروج، فشعرت بأنفاسي تتقطع كسيارة خنفساء عمرها سبعين عاما.
توقف نبضي تماما، وشعرت بأنني قد دخلت نفقا مظلما وجسدي يسير داخله بسرعة كبيرة للغاية، سرعة لا يمكن تصورها تشبه سرعة الصواريخ أو ربما أضعافها، وفجأة وجدت الظلمة وقد أصبحت نورا شديدا يعمي الأبصار، وعندها أيقنت أنني قد مت.. لكن ترى ما مصيري.. الجنة أم النار؟!
دخلت بصحبة أبو رجل مسلوخة (أو الإله بس) إلى الكهف الذي لم يكن مظلما بالقدر الذي يحجب الرؤية تماما، بل كانت الأمور داخله أشبه بليلة غاب عنها القمر، بينما هناك ضوء خافت للغاية يسمح برؤية الأجسام في هيئة أشباح.
ومع أول خطوة داخل الكهف، سمعت بكاء ونحيبا عجيبا يصدر من ذلك الكائن الأعجب، إذ قال لي أبورجل مسلوخة إنه «يخاف من الضلمة» وأخذ يدبدب بقدميه في الأرض، فربت على كتفه كي أجعله يهدأ قليلا، فبكى في حضني كما تبكي من خذلها حبيبها في حضن أمها.
وعرفت من أبو رجل مسلوخة إن إصابته بفوبيا الأماكن المظلمة نشأ معه منذ كان طفلا، حيث حضرته امرأة مصرية من الأسرة الفرعونية الثانية كي تخيف به أطفالها، ليتفاجأ بأنه حشر مع أبنائها في غرفة مظلمة، بينما العيال – الله يسامحهم – ظلوا يلطشون فيه ويضربون ويسخرون منه، وهو غارق في الظلام محاولا تفادي الضربات لكنه بالطبع فشل، ومن ساعتها وقد أصيب برهاب شديد جعله يخشى الأماكن المغلقة وخاصة المظلمة منها.
سلسلة ما وراء التسريحة 7
طلبت من أبو رجل مسلوخة أن يبقى خارج الكهف، وقررت أنا أن أخوض المغامرة وحدي، من أجل البحث عن سلسلة مفاتيحي.. تلك السلسلة التي ورطتني في كل هذه المشاكل.
غصت في باطن الكهف لنحو مائة متر، إذ سرت لنحو عشر دقائق بخطوات بطيئة وأنا أضع يدي على الجدران لتكون هي مرشدي في رحلة دخول الكهف والخروج منه – إذا كتب لي ذلك يعني – والعجيب إنني كنت ألمس نقوش بارزة على تلك الجدران أعتقد أنها رسوم مجسمة لعناكب عملاقة.. وربما تكون عناكب طبيعية الحجم، لكن نظرا إلى كوني الآن في حجم عقلة الأصبع، فإنني أراها عملاقة كبيرة الحجم.
واصلت الرحلة، ومن وقت لآخر كنت أدقق نظري نحو الأشياء التي أظنها تلمع، فربما تكون هي سلسلة مفاتيحي، غير أن أملي في كل مرة كان يخيب، كرجل لم يحالفه الحظ في ليلة عرسه.
فجأة سمعت صوتا عاليا ظننته جرس المدرسة المجاورة لمنزلنا، لكنه كان شديدا لدرجة مخيفة، وتبين لي بعد ذلك أنه صوت دقات الساعة.
وما إن توقف صوت دقات الساعة، إلا وتلك النقوش على جدران الكهف تتحول إلى عناكب حقيقية ضخمة جدا، كان الواحد منها ينزع نفسه انتزاعا من على الجدار، فيحرر رأسه أولا ثم أرجله واحدة تلو الأخرى، وهكذا أصبحت كل العناكب كائنات حقيقية أمامي وليست مجرد نقوش بارزة كما كنت أظنها.
هنا بدأ قلبي يدق بصوت يكاد يغطي على صوت دقات الساعة التي سمعتها من قبل، بل إن قلبي ذات نفسه كاد ينخلع من صدري، فقد رصدني أحد العناكب، فرأيت عينيه تضيئان مثل الكشافات التي كان الدكتور فرغلي يستخدمها في غرفة الأبحاث الخاصة به.
سلسلة ما وراء التسريحة 6
وعلى ذكر الدكتور فرغلي، وبينما أنا غارق في خوفي كالغارق في عرقه، تذكرته حين أخبرني شيئا مهما عن العناكب، بعدما أمسكت عنكبوتا كان يعشش بالغرفة، إذ قال لي العالم الكبير إن العناكب تنشط عند الساعة السابعة وخمس وثلاثين دقيقة بالتمام والكمال مساء كل يوم!
ولما سألته عن السبب وهل لهذا علاقة بسر ما، أخبرني إنه أمر بيئي بحت، لكنه ذكر لي أسطورة قديمة تقول إن العناكب تنشط في البيوت عند موعد العشاء، وذلك لأنها تحاول استغلال سكان المنزل بهذا الطقس اليومي، الذي يسمح لها بأن تتحرك بحرية أكبر لتنفذ مهامها.
- مهام.. أي مهام يا دكتور؟!
- تقول بعض الأساطير إن الآلهة صنعت العنكبوت من عصير مقدس مأخوذ من شجرة الشر، وأن أول مهمة أوكلت لهذا العنكبوت كان تقييد العصاة بالخيوط التي يفرزها والزحف نحوهم ثم امتصاص دمائهم حتى الموت.. وفي أسطورة أخرى يونانية فإن العنكبوت كان امرأة تدعى أراكني وكانت ماهرة جدا ومبدعة في عملية غزل الخيوط، لكن «أثينا» إلهة الحكمة والقوة حولتها إلى حشرة كريهة لأنها عصتها.
هكذا رد علي الدكتور فرغلي وقتها، وها أنا أرى ذلك العنكبوت الضخم مصطحبا عددا من العناكب الأخرى يسيرون نحوي بحركة بطيئة لكن خوفي جعلني أرتبك ولم أعد قادرا على الحركة أو حتى محاولة الهرب.
اقتربت العناكب مني، وأحاطت بي، ثم بدأت في فرز خيوطها لتقيدني، وفي ظلمة استسلامي، شعرت وكأنني استمع إلى صوت حسنات زوجتي، وربما لم أكن أنا وحدي الذي سمع الصوت، إذ انتبهت له العناكب وأخذت تتبادل النظرات فيما بينها، فسارعت أنا مستغلا الموقف كي أفر هاربا منها.
ركضت بأقصى سرعة لدي، وهي طبعا سرعة تشبه سرعة السلحفاة، إذا ما وضعنا في الحسبان حجمي الصغير، لكنني في نهاية المطاف ابتعدت عن العناكب بما يكفي لأن أبحث عن شقا داخل أحد الجدران بالكهف، فحشرت نفسي فيه مختبئا، بينما العناكب تسير هنا وهناك بحثا عني وكأنها عناصر شرطة في دورية ليلية، مع اقتراب كل واحد منها كان قلبي يقفز من صدري.
سلسلة ما وراء التسريحة 5
مرت العناكب دون أن تلاحظني، فتنفست الصعداء، وهممت بالخروج من الشق، غير أنني تفاجئت بأحد العناكب يقف أمامي وهو يحفر الأرض بأرجله.. ترى هل يحفر لي قبرا أما أنه يقلد الثيران التي تتأهب للانقضاض على المصارع؟!
ركضت هاربا، لكن العنكبوت أطلق خيوطا من فمه طالتني، وقيدت يدي، فانتزعت الخيط عني، لكن الخيوط بدأت تتوالى، وكلما تخلصت من خيط ألقى ذلك الملعون خيطين بدلا منه، إلى أن شل حركتي تماما، وأخذ يقترب مني.
في هذه الأثناء وجدتني -على غير العادة – لست مستسلما، فلازلت أقاوم وأحاول الخلاص من الخيوط، حتى أن العنكبوت مد ساقا نحوي، فعضضتها بأسناني فصرخ مبتعدا، ثم عاود الكرة مرة أخرى وأخذ يغرس ساقه في لحمي، ومع تألمي الشديد، نجحت في فك الخيوط التي تقيدني فتحررت منها، وخلعت تلك الساق التي نشبها العنكبوت في ظهري، فانخلعت في يدي، ورحت أصد ضرباته بالساق نفسها التي انتزعتها منه.
وهكذا استمر القتال بيننا، والذي انتهى بضربة قوية مني على رأس العنكبوت أسقطته أرضا، فأخذت أتنفس بقوة كالقائد المنتصر في معركة حربية، لكن قبل أن تكتمل النشوة، وجدت اثنين من العناكب يقتربان مني بينما قواي قد خارت تماما.
راح العنكوبتان يزحفان نحوي وأنا ممدد على الأرض، فأمسكا بي وراح جرجراني إلى شق في جدار الكهف، وحبساني فيه، وبدأ يصبان خيوطهما على فوهة الشق ليمنعاني من الخروج، فشعرت بأنفاسي تتقطع كسيارة خنفساء عمرها سبعين عاما.
توقف نبضي تماما، وشعرت بأنني قد دخلت نفقا مظلما وجسدي يسير داخله بسرعة كبيرة للغاية، سرعة لا يمكن تصورها تشبه سرعة الصواريخ أو ربما أضعافها، وفجأة وجدت الظلمة وقد أصبحت نورا شديدا يعمي الأبصار، وعندها أيقنت أنني قد مت.. لكن ترى ما مصيري.. الجنة أم النار؟!