سلسلة ما وراء التسريحة 7
أسطورة أبو رجل مسلوخة
همت جموع النمل بافتراسي، وبينما كانت تقترب كنت أنا أستعيد مشاهد تقطيع الصرصار، وأيقنت وقتها أن نهايتي ستكون أشد بشاعة، فالصرصار كان بلا رأس بل كان يحتضر، أما أنا فسوف يمزقونني حيا!
مع بدء أول نملة غرس أنيابها الحادة في لحمي، سمعت بعض الهمهمات، التي سرعان ما أصبحت صرخات قوية، ففتحت عيني لأجد جموع النمل تفر هاربة، بينما تردد «أبو رجل مسلوخة.. أبو رجل مسلوخة».
اختفى النمل في ثوان، في الوقت الذي ظهر أمامي كائن غريب الشكل، تراه فلا تعرف هل عليك أن تضحك أم تبكي خوفا ورعبا، فذلك الكائن العجيب صغير ويقترب طوله من عرضه فتظنه للوهلة الأولى مجرد كرة من اللحم تتدحرج على الأرض، لكن إذا أمعنت النظر ستجد أمامك مخلوقا برأس مستديرة فوق كتلة من اللحم، تحملها ساقان قصيرتان مقوستان، مع ثديين مترهلين يعلوان بطنا كروية منفوخة تتوسطها سرة عجيبة يمكنك أن تخفي فيها أشيئا كثيرة.
سلسلة ما وراء التسريحة 6
وهنا فكرت في إنه ربما.. أقول ربما تكون سرة هذا الكائن هي الكهف الذي يحوي سلسلة مفاتيحي التي من أجلها خضت هذه المغامرة العجيبة، لكنني عدت إلى رشدي.. وهنا أقصد صوابي وليس عمي رشدي الذي سافر قبل عشرين عاما إلى كولومبيا لشراء نص كيلو بن لكنه لم يعد، فتزوج هناك وأنجب أورطة عيال، حسب ما عرفنا من خطابه الأخير الذي أرسله قبل عشرة أعوام.
اقترب أبو رجل مسلوخة مني وأنا أضحك تارة، وأخرى أصرخ، فصرخ هو في بنبرة حاسمة «ما تظبط يا برنس مالك شفت عفريت؟!»..
لم أستوعب ما قاله ذلك الكائن، فكلماته مصرية خالصة، ما جعلني أشعر بنوع من الارتياح والألفة، خاصة وأنه أخرج من سرته علبة سجاير كليوباترا، ولا أعرف من أين حصل على علبة بهذا الحجم الصغير، خاصة وكما قلت لكم فأنا في حجم عقلة الأصبع وذلك المخلوق رغم أنه يفوقني في الحجم عشرة أضعاف، إلا أنه ضئيل قياسا إلى البشر.
أخرج أبو رجل مسلوخة علبة السجائر، وأخرج منها واحدة ثم ناولني إياها قائلا: «احرق صدرك»، فصددت يده وأخبرته أنني لا أدخن، ثم سألته عن السجائر واللهجة المصرية، فأخبرني أنه «الإله بس»، وحين استلقيت على قفايا من الضحك، صاح في: «ما قلتلك أظبط»، حينها تجمدت ملامحي وأخذت عيني اليمنى تبربش كما عمي سعيد الحلاق رحمة الله عليه.. وعمي سعيد كان.. لكن هذا ليس وقته فأنا في حضرة الإله بس.. نعم أتذكر أنني رأيت تمثالا له في القرية الفرعونية بشارع البحر الأعظم.
قص علي الإله بس حكايته، فأخبرني أنه إله عابر للحضارات، إذ جاء ذكره في العصور الرومانية والإغريقية والعديد من حضارات بلاد آسيا، أما في مصر فكان إلها للمرح والحظ والفرفشة، نظرا لشكله وهيئته المضحكة، كما أنه كان إلها لأمور أخرى، وكأن أجدادي الفراعين كانوا يعانون أزمة آلهة كالتي نعانيها في مدارسنا، فهذا أستاذ للجغرافيا والفرنساوي والكيمياء «لحد ما يجيبوا أساتذة جغرافيا وفرنساوي وكمياء»، ثم تكتشف أن هذا الأستاذ هو في الأصل خريج تربية رياضية ساقه حظه العثر لواحدة من المدارس الحكومية بالأرياف.
سلسلة ما وراء التسريحة 5
أما الوظيفة الأخرى التي أوكلها الفراعنة للإله بس، فقد كانت حماية الطفولة، ولهذا كان الناس قديما يخيفون أبنائهم الأشقياء بهذا الكائن، ومن ثم ورثنا نحن المصريين الجدد تلك العادة، فبتنا نخيف أطفالنا بأبو رجل مسلوخة، الذي هو في الأساس الإله بس، كي يؤدون الواجب المدرسي أو ليغسلوا أسنانهم قبل النوم وربما لتناول الخضار الذي لا يحبونه.
كان الإله بس (أبو رجل مسلوخة) يحكي قصته والدموع تنساب على خده وتكمل طريقها إلى بطنه حتى سرته، وفجأة وضع رأسه في حجري وأخذ يبكي بحرقة الموظف الذي يحملونه فوق طاقته ما تنوء بحمله المكاتب والرفوف، فاندهشت في البداية وارتبكت لكني سرعان ما طبطبت عليه متقمصا دور الأم.
نام الإله بس على حجري لدقائق معدودة ثم استيقظ فجأة، وهب واقفا، وهو يصرخ: «أنت مين ياض!».. قلت في نفسي ما لهذا المجنون الذي كان يبقى منذ دقائق في حضني، أينقلب المرء على أخيه في لحظة هكذا.. لكنني تذكرت أن هذا المخلوق ليس إنسانا لكنه الإله بس العجيب أو أبورجل مسلوخة الذي يخيفون به الأطفال.
تبسمت في وجهه، وسألته عن سر تسميته بأبو رجل مسلوخة، فأخبرني أنه كان في مهمة بأحد البيوت المصرية، حيث استحضرته إحدى السيدات كي تخيف به ابنها الصغير الذي لم يكن يريد أن ينام، بينما الوقت متأخر، وهي تريد الخلاص منه كي تتفرغ لأبي العيال الذي يعود من عمله في جوف الليل بحثا عن وجبة ساخنة تدفي بدنه وقعدة أنس وفرفشة مع امرأته كي ينسى عناء العمل..
لكن من المؤسف أن الطبيخ الذي كانت الأم قد سخنته للتو، انسكب على ساق الإله بس من فوق السفرة، فانسلخت وسارت مشوهة، ومن هنا بات الناس يسمونه أبو رجل مسلوخة، وقد ساهم ذلك في شهرته وذياع صيته، وربما انفتح له باب رزق، فهيئته الأصلية مضحكة جدا، أما رجله المسلوخة هذه فكانت تكفي لتخويف الأطفال بل والكبار.
سلسلة ما وراء التسريحة (4)
استمر حديثنا لوقت طويل، إلى أن سألني الإله بس عن حكايتي، وكيف صار حجمي في مثل عقلة الأصبع، فرويت له الحكاية من طقطق لسلامو عليكو، بما في ذلك واقعة اختفاء سلسلة مفاتيحي خلف التسريحة بغرفة نومي، فأبدى تأثره وقرر أن يساعدني.
انطلقت برفقة أبو رجل مسلوخة أو الإله بس، في الطريق نحو أحد الكهوف التي زعم هو أنها ربما تحوي سلسلة مفاتيحي، إذ إن ذلك الكهف يقع في أرض منخفضة، وكل الأشياء التي تسقط خلف التسريحة تتدحرج نحوه وتستقر فيه.
ولما طال الطريق، حملني الإله بس على كتفه وسار، لكنه اشترط علي أن أقص عليه أكبر عدد من النكت المصرية المضحكة، فقلت له إن النكت باتت في ذمة التاريخ، إذ إن الناس لم يعودوا ينتجون نكتا في عصر السوشيال ميديا، وبالطبع سألني عن السوشيال ميديا هذه، فأخبرته، ثم حكيت له بعضا من الكوميكس والألشات، لكنه لم يضحك، وكاد يلقيني من فوق كتفه، إلا أنني تمسكت بأذنه التي تشبه قطعة الجيلي كولا، إلى أن وصلنا إلى الكهف، فأنزلني على الأرض استعدادا لاقتحام ذلك المكان المظلم.
همت جموع النمل بافتراسي، وبينما كانت تقترب كنت أنا أستعيد مشاهد تقطيع الصرصار، وأيقنت وقتها أن نهايتي ستكون أشد بشاعة، فالصرصار كان بلا رأس بل كان يحتضر، أما أنا فسوف يمزقونني حيا!
مع بدء أول نملة غرس أنيابها الحادة في لحمي، سمعت بعض الهمهمات، التي سرعان ما أصبحت صرخات قوية، ففتحت عيني لأجد جموع النمل تفر هاربة، بينما تردد «أبو رجل مسلوخة.. أبو رجل مسلوخة».
اختفى النمل في ثوان، في الوقت الذي ظهر أمامي كائن غريب الشكل، تراه فلا تعرف هل عليك أن تضحك أم تبكي خوفا ورعبا، فذلك الكائن العجيب صغير ويقترب طوله من عرضه فتظنه للوهلة الأولى مجرد كرة من اللحم تتدحرج على الأرض، لكن إذا أمعنت النظر ستجد أمامك مخلوقا برأس مستديرة فوق كتلة من اللحم، تحملها ساقان قصيرتان مقوستان، مع ثديين مترهلين يعلوان بطنا كروية منفوخة تتوسطها سرة عجيبة يمكنك أن تخفي فيها أشيئا كثيرة.
سلسلة ما وراء التسريحة 6
وهنا فكرت في إنه ربما.. أقول ربما تكون سرة هذا الكائن هي الكهف الذي يحوي سلسلة مفاتيحي التي من أجلها خضت هذه المغامرة العجيبة، لكنني عدت إلى رشدي.. وهنا أقصد صوابي وليس عمي رشدي الذي سافر قبل عشرين عاما إلى كولومبيا لشراء نص كيلو بن لكنه لم يعد، فتزوج هناك وأنجب أورطة عيال، حسب ما عرفنا من خطابه الأخير الذي أرسله قبل عشرة أعوام.
اقترب أبو رجل مسلوخة مني وأنا أضحك تارة، وأخرى أصرخ، فصرخ هو في بنبرة حاسمة «ما تظبط يا برنس مالك شفت عفريت؟!»..
لم أستوعب ما قاله ذلك الكائن، فكلماته مصرية خالصة، ما جعلني أشعر بنوع من الارتياح والألفة، خاصة وأنه أخرج من سرته علبة سجاير كليوباترا، ولا أعرف من أين حصل على علبة بهذا الحجم الصغير، خاصة وكما قلت لكم فأنا في حجم عقلة الأصبع وذلك المخلوق رغم أنه يفوقني في الحجم عشرة أضعاف، إلا أنه ضئيل قياسا إلى البشر.
أخرج أبو رجل مسلوخة علبة السجائر، وأخرج منها واحدة ثم ناولني إياها قائلا: «احرق صدرك»، فصددت يده وأخبرته أنني لا أدخن، ثم سألته عن السجائر واللهجة المصرية، فأخبرني أنه «الإله بس»، وحين استلقيت على قفايا من الضحك، صاح في: «ما قلتلك أظبط»، حينها تجمدت ملامحي وأخذت عيني اليمنى تبربش كما عمي سعيد الحلاق رحمة الله عليه.. وعمي سعيد كان.. لكن هذا ليس وقته فأنا في حضرة الإله بس.. نعم أتذكر أنني رأيت تمثالا له في القرية الفرعونية بشارع البحر الأعظم.
قص علي الإله بس حكايته، فأخبرني أنه إله عابر للحضارات، إذ جاء ذكره في العصور الرومانية والإغريقية والعديد من حضارات بلاد آسيا، أما في مصر فكان إلها للمرح والحظ والفرفشة، نظرا لشكله وهيئته المضحكة، كما أنه كان إلها لأمور أخرى، وكأن أجدادي الفراعين كانوا يعانون أزمة آلهة كالتي نعانيها في مدارسنا، فهذا أستاذ للجغرافيا والفرنساوي والكيمياء «لحد ما يجيبوا أساتذة جغرافيا وفرنساوي وكمياء»، ثم تكتشف أن هذا الأستاذ هو في الأصل خريج تربية رياضية ساقه حظه العثر لواحدة من المدارس الحكومية بالأرياف.
سلسلة ما وراء التسريحة 5
أما الوظيفة الأخرى التي أوكلها الفراعنة للإله بس، فقد كانت حماية الطفولة، ولهذا كان الناس قديما يخيفون أبنائهم الأشقياء بهذا الكائن، ومن ثم ورثنا نحن المصريين الجدد تلك العادة، فبتنا نخيف أطفالنا بأبو رجل مسلوخة، الذي هو في الأساس الإله بس، كي يؤدون الواجب المدرسي أو ليغسلوا أسنانهم قبل النوم وربما لتناول الخضار الذي لا يحبونه.
كان الإله بس (أبو رجل مسلوخة) يحكي قصته والدموع تنساب على خده وتكمل طريقها إلى بطنه حتى سرته، وفجأة وضع رأسه في حجري وأخذ يبكي بحرقة الموظف الذي يحملونه فوق طاقته ما تنوء بحمله المكاتب والرفوف، فاندهشت في البداية وارتبكت لكني سرعان ما طبطبت عليه متقمصا دور الأم.
نام الإله بس على حجري لدقائق معدودة ثم استيقظ فجأة، وهب واقفا، وهو يصرخ: «أنت مين ياض!».. قلت في نفسي ما لهذا المجنون الذي كان يبقى منذ دقائق في حضني، أينقلب المرء على أخيه في لحظة هكذا.. لكنني تذكرت أن هذا المخلوق ليس إنسانا لكنه الإله بس العجيب أو أبورجل مسلوخة الذي يخيفون به الأطفال.
تبسمت في وجهه، وسألته عن سر تسميته بأبو رجل مسلوخة، فأخبرني أنه كان في مهمة بأحد البيوت المصرية، حيث استحضرته إحدى السيدات كي تخيف به ابنها الصغير الذي لم يكن يريد أن ينام، بينما الوقت متأخر، وهي تريد الخلاص منه كي تتفرغ لأبي العيال الذي يعود من عمله في جوف الليل بحثا عن وجبة ساخنة تدفي بدنه وقعدة أنس وفرفشة مع امرأته كي ينسى عناء العمل..
لكن من المؤسف أن الطبيخ الذي كانت الأم قد سخنته للتو، انسكب على ساق الإله بس من فوق السفرة، فانسلخت وسارت مشوهة، ومن هنا بات الناس يسمونه أبو رجل مسلوخة، وقد ساهم ذلك في شهرته وذياع صيته، وربما انفتح له باب رزق، فهيئته الأصلية مضحكة جدا، أما رجله المسلوخة هذه فكانت تكفي لتخويف الأطفال بل والكبار.
سلسلة ما وراء التسريحة (4)
استمر حديثنا لوقت طويل، إلى أن سألني الإله بس عن حكايتي، وكيف صار حجمي في مثل عقلة الأصبع، فرويت له الحكاية من طقطق لسلامو عليكو، بما في ذلك واقعة اختفاء سلسلة مفاتيحي خلف التسريحة بغرفة نومي، فأبدى تأثره وقرر أن يساعدني.
انطلقت برفقة أبو رجل مسلوخة أو الإله بس، في الطريق نحو أحد الكهوف التي زعم هو أنها ربما تحوي سلسلة مفاتيحي، إذ إن ذلك الكهف يقع في أرض منخفضة، وكل الأشياء التي تسقط خلف التسريحة تتدحرج نحوه وتستقر فيه.
ولما طال الطريق، حملني الإله بس على كتفه وسار، لكنه اشترط علي أن أقص عليه أكبر عدد من النكت المصرية المضحكة، فقلت له إن النكت باتت في ذمة التاريخ، إذ إن الناس لم يعودوا ينتجون نكتا في عصر السوشيال ميديا، وبالطبع سألني عن السوشيال ميديا هذه، فأخبرته، ثم حكيت له بعضا من الكوميكس والألشات، لكنه لم يضحك، وكاد يلقيني من فوق كتفه، إلا أنني تمسكت بأذنه التي تشبه قطعة الجيلي كولا، إلى أن وصلنا إلى الكهف، فأنزلني على الأرض استعدادا لاقتحام ذلك المكان المظلم.