سلسلة ما وراء التسريحة 5
«الصرصار الخارق»
أغمضت عيني في انتظار أن يلتهمني الصرصار الذي هجم علينا فتفرق الباتسو وهربوا بينما تخشبت أنا في مكاني، غير أن شيئا لم يحدث إذ لم يلتهمني ذلك المخلوق العملاق مقارنة بحجمي الضئيل وأنا في حجم عقلة الأصبع، وحين فتحت عيني لأرى ما يحدث وجدته يلعب بشواربه وهو فاغرا فاه وكأنه يضحك!
اقترب مني الصرصار ووضع واحدة من أقدامه على كتفي وكأنه يطبطب علي ليهدئ من روعي، وقال بلغة غريبة لكنني فهمتها، ولا أدري كيف حدث ذلك: «عرفتك أنت بخيت صاحب هذا البيت، أو فلنقل زوج صاحبة البيت».
زمجرت وزمت وأبديت غضبي من ذلك الصرصار الذي يسخر مني، لكنني عدت لرشدي قبل أن أفقد أعصابي، حين تنبهت لحجمي الذي يجعلني أنا الصرصار في مواجهته، إذ لم أعد بخيت الرجل الذي يزن 90 كيلو جراما لأفعص هذا الكائن اللزج تحت حذائي، فتنفست بعمق وسألته: «وهل أنتم يا معشر الصراصير تعرفون البشر؟!» فأخبرني أن كل الكائنات تفهم البشر وتعرفهم جيدا، وليس العكس صحيح، فالبشر قدراتهم محدودة ومع ذلك يظنون أنفسهم أذكى مخلوقات الله..
سلسلة ما وراء التسريحة (4)
ونحن نتجاذب أطراف الحديث «المقرف»، أنا والصرصار، هبط علينا شعاع نور، فوجدته يحملني على ظهره ويفر كما يفر الفأر من القط، بسرعة قد تصل إلى متر ونصف المتر في الثانية الواحدة بحساباتنا نحن البشر، ولو كان إنسانا لكانت سرعته 320 كيلومتر في الساعة، ثم ألقى بي في جحر عملاق، حسبته كهف عظيم لولا أنني أعي جيدا حجمي الجديد، ثم انقلب هو على ظهره، وظل يحاول جاهد أن يعود لوضعه الطبيعي لكنه فشل، وحاولت أنا أن أساعده لكن قواي الخائرة لم تسعفني، فرحت أتلفت حولي فوجدت عود ثقاب يفوقني طولا، فحملته ووضعته تحت الصرصار المقلوب، ثم رحت أجاهد كي أعيده لوضعه الطبيعي، وبعد عناء نجحت.
تنفس الصرصار الصعداء، ووجدت في عينه نظرة امتنان، وكأنه يقول «شكرا لمساعدتك»، فتبسمت له، وهنا فطن الصرصار إلى أنني صديقه ولست عدوه، فأخرج من أحد الأركان بعض الفتافيت من بقايا قطعة حلوى، ومد يده لي بها، لكنني شعرت بالغثيان، وعندما لاحظ ذلك قال الصرصار بلغته الغريبة التي تشبه طنين النحل: «يا صديقي يجب أن تتكيف مع الظروف الجديدة، فأنت الآن لست بخيت ذلك الرجل القوي».
مددت يدي فأخذت فتافيت الحلوى وابتلعتها بصعوبة، فضحك الصرصار مجددا، وراح يأكل هو بنهم، ثم سألني عن سبب وجودي في هذا المكان وراء التسريحة، فأخبرته بما حدث حين فقدت سلسلة مفاتيحي، ثم تجرعي تلك التركيبة التي جعلتني في حجم عقلة الاصبع، فقال لي إنه سوف يساعدني في الوصول إلى السلسلة، إذ أنه رأى شيئا لامعا يظن أنه ما أبحث عنه.
في الطريق إلى الشق الذي رأى فيه الصرصار سلسلة مفاتحي، عرفت منه سر مساعدته لي، ولماذا لم يفتك بي حين رآني، فحكى لي عن إحدى المرات التي كنت أنا فيها بالحمام أقضي حاجتي – مثل باقي الناس – وحينها ظهر هو – اي الصرصار – أمامي، فوضعت أنا قدمي عليه لأسحقه لكنني تراجعت شفقة به بعدما رأيت عينيه تتوسلان أن أتركه يعود لأسرته التي تنتظره في جحره!
سلسلة ما وراء التسريحة (3)
بالفعل تذكرت ذلك الموقف، فليس من عادتي أن أترك صرصار يفلت من أسفل حذائي، لكنه القدر الذي دفعني للعفو عنه، ليأتي هذا اليوم الذي يرد لي فيه الجميل.
يرى الصرصار أن البشر أغبياء ومغرورين، ودلل على ذلك بقوله إن الصراصير التي يسحقها الإنسان تحت قدمه هي الكائنات الأذكى والأقوى على وجه الأرض، وحين رأى الدهشة تكسو وجهي، أخبرني إن الصراصير وجدت قبل 300 مليون سنة، وإنها واجهت ظروف قاسية استطاعت التغلب عليها، بينما كائنات ضخمة كالديناصو لم تستطع ذلك فانقرضت.
وحين وجد الصرصار إنني لا أصدق ما أقوله، طلب مني أن أتوقف لحظة عند فتحة في الجدار ضيقة للغاية، وحين أقول ضيقة فهي ضيقة من وجهة نظر عقلة أصبع أي أنني لو كنت في حجمي الطبيعي لما رأيت هذه الفتحة أصلا.
وقفت، فوجدت جسد الصرصار ينكمش بشكل عجيب ويتمدد، ليمر من تلك الفتحة ويختفي داخلها، قبل أن يخرج إلي مرة أخرى ويعود جسمه لحجمه الطبعي، فبدى علي الإندهاش، لكنني زممت شفتي وكأنني أقول «عادي يعني بتحصل»، فأخذ هو يهرش في رأسه بقرون استشعاره.
واصلنا رحلتنا إلى الشق الذي يوجد به سلسلة مفاتيحي، بينما الصرصار يحكي لي عن تلك الأشياء التي تجعله يظن أنه أقوى كائن على وجه الأرض، فعرفت منه أن الصرصار يستطيع أن يعيش شهرا بلا غذاء مع إنه مخلوق شره، يأكل ما يأكله الإنسان وكذلك يأكل الورق والصمغ وبطانة الحذاء وأي شيء يأتي في طريقه!
الملاك الذي وخزته الإبرة
أومأت برأسي مؤمنا على كلامه ثم مضينا، وبينما نحن منهمكان في الطريق، سقط نصل حاد من أعلى التسريحة، أظنه سكينا أو فتاحة الأظرف، فشطرت الصرصار إلى جزئين، أحدهما رأسه وأحدهما باقي جسده، فصرخت وباتعدت، لكن من عجب أن جسد الصرصار أخذ يتحرك نحوي فارتعبت وأخذ جسدي يرتجف، غير أن الصرصار حادثني ولا أعرف من اين كان يأتيني صوته فرأسه هامدة بعيدا عنا!
قال الصرصار المشطور يجب أن نسرع كي نصل إلى سلسلة المفاتح، وعرفت منه أنه يستطيع البقاء حيا بدون رأس لمدة أسبوع كامل، إذ إنه يتنفس من خلال فتحات كثيرة تنتشر في مختلف أنحاء جسده، وبمجرد قطع رأس الصرصور، تتجلط رقابته كي لا ينزف، غير أنه يموت في غضون اسبوع لأنه لا يجد طريقة لشرب الماء!
مضينا وأنا ممتن لهذا الكائن النبيل، الذي أصر عل مساعدتي، رغم أنه سيموت قريبا، وتيقنت فعلا من أنه أقوى مخلوق على وجه الأرض لما يتمتع به من قدرات خارقه تمكنه من أن يحيا بدون رأس.
أغمضت عيني في انتظار أن يلتهمني الصرصار الذي هجم علينا فتفرق الباتسو وهربوا بينما تخشبت أنا في مكاني، غير أن شيئا لم يحدث إذ لم يلتهمني ذلك المخلوق العملاق مقارنة بحجمي الضئيل وأنا في حجم عقلة الأصبع، وحين فتحت عيني لأرى ما يحدث وجدته يلعب بشواربه وهو فاغرا فاه وكأنه يضحك!
اقترب مني الصرصار ووضع واحدة من أقدامه على كتفي وكأنه يطبطب علي ليهدئ من روعي، وقال بلغة غريبة لكنني فهمتها، ولا أدري كيف حدث ذلك: «عرفتك أنت بخيت صاحب هذا البيت، أو فلنقل زوج صاحبة البيت».
زمجرت وزمت وأبديت غضبي من ذلك الصرصار الذي يسخر مني، لكنني عدت لرشدي قبل أن أفقد أعصابي، حين تنبهت لحجمي الذي يجعلني أنا الصرصار في مواجهته، إذ لم أعد بخيت الرجل الذي يزن 90 كيلو جراما لأفعص هذا الكائن اللزج تحت حذائي، فتنفست بعمق وسألته: «وهل أنتم يا معشر الصراصير تعرفون البشر؟!» فأخبرني أن كل الكائنات تفهم البشر وتعرفهم جيدا، وليس العكس صحيح، فالبشر قدراتهم محدودة ومع ذلك يظنون أنفسهم أذكى مخلوقات الله..
سلسلة ما وراء التسريحة (4)
ونحن نتجاذب أطراف الحديث «المقرف»، أنا والصرصار، هبط علينا شعاع نور، فوجدته يحملني على ظهره ويفر كما يفر الفأر من القط، بسرعة قد تصل إلى متر ونصف المتر في الثانية الواحدة بحساباتنا نحن البشر، ولو كان إنسانا لكانت سرعته 320 كيلومتر في الساعة، ثم ألقى بي في جحر عملاق، حسبته كهف عظيم لولا أنني أعي جيدا حجمي الجديد، ثم انقلب هو على ظهره، وظل يحاول جاهد أن يعود لوضعه الطبيعي لكنه فشل، وحاولت أنا أن أساعده لكن قواي الخائرة لم تسعفني، فرحت أتلفت حولي فوجدت عود ثقاب يفوقني طولا، فحملته ووضعته تحت الصرصار المقلوب، ثم رحت أجاهد كي أعيده لوضعه الطبيعي، وبعد عناء نجحت.
تنفس الصرصار الصعداء، ووجدت في عينه نظرة امتنان، وكأنه يقول «شكرا لمساعدتك»، فتبسمت له، وهنا فطن الصرصار إلى أنني صديقه ولست عدوه، فأخرج من أحد الأركان بعض الفتافيت من بقايا قطعة حلوى، ومد يده لي بها، لكنني شعرت بالغثيان، وعندما لاحظ ذلك قال الصرصار بلغته الغريبة التي تشبه طنين النحل: «يا صديقي يجب أن تتكيف مع الظروف الجديدة، فأنت الآن لست بخيت ذلك الرجل القوي».
مددت يدي فأخذت فتافيت الحلوى وابتلعتها بصعوبة، فضحك الصرصار مجددا، وراح يأكل هو بنهم، ثم سألني عن سبب وجودي في هذا المكان وراء التسريحة، فأخبرته بما حدث حين فقدت سلسلة مفاتيحي، ثم تجرعي تلك التركيبة التي جعلتني في حجم عقلة الاصبع، فقال لي إنه سوف يساعدني في الوصول إلى السلسلة، إذ أنه رأى شيئا لامعا يظن أنه ما أبحث عنه.
في الطريق إلى الشق الذي رأى فيه الصرصار سلسلة مفاتحي، عرفت منه سر مساعدته لي، ولماذا لم يفتك بي حين رآني، فحكى لي عن إحدى المرات التي كنت أنا فيها بالحمام أقضي حاجتي – مثل باقي الناس – وحينها ظهر هو – اي الصرصار – أمامي، فوضعت أنا قدمي عليه لأسحقه لكنني تراجعت شفقة به بعدما رأيت عينيه تتوسلان أن أتركه يعود لأسرته التي تنتظره في جحره!
سلسلة ما وراء التسريحة (3)
بالفعل تذكرت ذلك الموقف، فليس من عادتي أن أترك صرصار يفلت من أسفل حذائي، لكنه القدر الذي دفعني للعفو عنه، ليأتي هذا اليوم الذي يرد لي فيه الجميل.
يرى الصرصار أن البشر أغبياء ومغرورين، ودلل على ذلك بقوله إن الصراصير التي يسحقها الإنسان تحت قدمه هي الكائنات الأذكى والأقوى على وجه الأرض، وحين رأى الدهشة تكسو وجهي، أخبرني إن الصراصير وجدت قبل 300 مليون سنة، وإنها واجهت ظروف قاسية استطاعت التغلب عليها، بينما كائنات ضخمة كالديناصو لم تستطع ذلك فانقرضت.
وحين وجد الصرصار إنني لا أصدق ما أقوله، طلب مني أن أتوقف لحظة عند فتحة في الجدار ضيقة للغاية، وحين أقول ضيقة فهي ضيقة من وجهة نظر عقلة أصبع أي أنني لو كنت في حجمي الطبيعي لما رأيت هذه الفتحة أصلا.
وقفت، فوجدت جسد الصرصار ينكمش بشكل عجيب ويتمدد، ليمر من تلك الفتحة ويختفي داخلها، قبل أن يخرج إلي مرة أخرى ويعود جسمه لحجمه الطبعي، فبدى علي الإندهاش، لكنني زممت شفتي وكأنني أقول «عادي يعني بتحصل»، فأخذ هو يهرش في رأسه بقرون استشعاره.
واصلنا رحلتنا إلى الشق الذي يوجد به سلسلة مفاتيحي، بينما الصرصار يحكي لي عن تلك الأشياء التي تجعله يظن أنه أقوى كائن على وجه الأرض، فعرفت منه أن الصرصار يستطيع أن يعيش شهرا بلا غذاء مع إنه مخلوق شره، يأكل ما يأكله الإنسان وكذلك يأكل الورق والصمغ وبطانة الحذاء وأي شيء يأتي في طريقه!
الملاك الذي وخزته الإبرة
أومأت برأسي مؤمنا على كلامه ثم مضينا، وبينما نحن منهمكان في الطريق، سقط نصل حاد من أعلى التسريحة، أظنه سكينا أو فتاحة الأظرف، فشطرت الصرصار إلى جزئين، أحدهما رأسه وأحدهما باقي جسده، فصرخت وباتعدت، لكن من عجب أن جسد الصرصار أخذ يتحرك نحوي فارتعبت وأخذ جسدي يرتجف، غير أن الصرصار حادثني ولا أعرف من اين كان يأتيني صوته فرأسه هامدة بعيدا عنا!
قال الصرصار المشطور يجب أن نسرع كي نصل إلى سلسلة المفاتح، وعرفت منه أنه يستطيع البقاء حيا بدون رأس لمدة أسبوع كامل، إذ إنه يتنفس من خلال فتحات كثيرة تنتشر في مختلف أنحاء جسده، وبمجرد قطع رأس الصرصور، تتجلط رقابته كي لا ينزف، غير أنه يموت في غضون اسبوع لأنه لا يجد طريقة لشرب الماء!
مضينا وأنا ممتن لهذا الكائن النبيل، الذي أصر عل مساعدتي، رغم أنه سيموت قريبا، وتيقنت فعلا من أنه أقوى مخلوق على وجه الأرض لما يتمتع به من قدرات خارقه تمكنه من أن يحيا بدون رأس.