مع الزاهدين، شريح القاضي

القاضي العالم الفقيه شريح بن الحارث، من أشهر الزاهدين، رغم أنه تولى القضاء، وكان من أعلامه. عيَّنه ثلاثة من الخلفاء الراشدين، وهم عمر وعثمان وعلي، على قضاء الكوفة، ثم طلب إعفاءه أيام الحجاج.
وعرضت عليه كثير من القضايا، كان قضاؤه فيها ينم عن علم غزير وفهم عميق، وقد حفلت كتب الفقه والعلم والرقائق بفتاويه.
نسبه ومولده
هو شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي، أبو أمية .. أصله من اليمن.. وكان ثقة في الحديث، مأمونا في القضاء، له باع في الأدب والشعر.
هو القاضي المسلم الفقيه المحدث الشاعر، كان قاضي الكوفة لستين سنة، قال فيه علي بن أبي طالب: “هو أقضى العرب”.
من أقواله
“إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات؛ أحمد إذ لم يكن أعظم منها، وأحمد إذ رزقني الصبر عليها، وأحمد إذ وفقني للاسترجاع لما أرجو من الثواب، وأحمد إذ لم يجعلها في ديني”.
قصته مع عمر
ووراء تولي شريح القضاء قصة، رواها ابن كثير في "البداية والنهاية"، حيث قال: "روى جرير عن الشيباني عن الشعبي قال: اشترى عمر فرسًا من رجل على أن ينظر إليه فأخذ الفرس فسار به فعطب فقال لصاحب الفرس: خذ فرسك، فقال: لا، قال: فاجعل بيني وبينك حكمًا، قال الرجل: نعم شريح، قال عمر: ومن شريح؟ قال: شريح العراقي، قال: فانطلقا إليه، فقصا عليه القصة، فقال: يا أمير المؤمنين رد كما أخذت أو خذ بما ابتعته، فقال عمر: وهل القضاء إلا هذا؟ سر إلى الكوفة فقد وليتك قضاءها".
وأوصاه عمر بن الخطاب، ووضع له الخطوط العريضة لكيفية القضاء فقال له: "اقض بما في كتاب الله فإن لم يكن في كتاب الله فبسنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن في سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فاقض بما قضى به الصالحون".
قصته مع الإمام علي
وقضى في نزاع طرفاه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، ورجل ذمي.. والقصة رواها كتاب "الحضارة الإسلامية بين أصالة الماضي وآمال المستقبل"، وذلك أن عليًا افتقد درعًا له كانت أثيرة عنده ثم ما لبث أن وجدها في يد رجل يهودي يبيعها في سوق الكوفة، فلما رآها عرفها، وقال: هذه درعي سقطت عن جمل لي في ليلة كذا وفي مكان كذا، فقال: الذمي: بل هذه درعي وفي يدي يا أمير المؤمنين وبيني وبينك قاضي المسلمين، فقال علي: أنصفت فهلم إليه، فلما صارا عند شريح القاضي في مجلس القضاء قال شريح لعلي، رضي الله عنه: لا ريب أي لا شك عندي في أنك صادق فيما تقوله يا أمير المؤمنين، ولكن لابد لك من شاهدين، فقال على: نعم مولاي قنبر وولدي الحسن يشهدان لي.
فقال شريح: ولكن شهادة الابن لأبيه لا تجوز، فقال علي يا سبحان الله رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته؟ أما سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة؟
فقال شريح: بلى يا أمير المؤمنين غير أني لا أجيز شهادة الولد لوالده.
عند ذلك التفت علي إلى الذمي، وقال: خذها فليس عندي شاهد غيرهما، فقال الذمي: ولكني أشهد بأن الدرع درعك يا أمير المؤمنين.
ثم أردف قائلاً: يا لله؛ أمير المؤمنين يقاضيني أمام قاضيه وقاضيه يقضي لي عليه، أشهد أن الدين الذي يأمر بهذا لحق وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
“قم يا شريح.. أنت أقضى العرب”
وروي أن عليًا، رضي الله تعالى عنه، قال: يا أيها الناس يأتيني فقهاؤكم يسألوني وأسألهم، فلما كان من الغد غدونا إليه حتى امتلأت الرحبة، فجعل يسألهم: ما كذا ما كذا ويسألونه: يا أمير المؤمنين ما كذا؟ فيخبرهم حتى ارتفع النهار وتصدعوا غير شريح جثا على ركبتيه لا يسأله عن شيء، إلا قال: كذا وكذا، ولا يسأله شريح عن شيء إلا أخبره به فسمعت عليا يقول: قم يا شريح فأنت أقضى العرب.
وروى ابن كثير في"البداية والنهاية" عن أجلح عن رجل قال: بينا أنا قاعد عند شريح إذ جاءته جدة صبي وأمه يختصمان فيه كل واحدة تقول: أنا أحق به، فقالت الجدة: أبا أمية أتيناك وأنت المستعان به.. أتاك جدة ابن وأم وكلتانا تفديه.. فلو كنت تأيمت لما نازعتك فيه.. تزوجت فهاتيه ولا يذهب بك القيه.. ألا أيها القاضي فهذه قصتي فيه.. قالت الأم: ألا أيها القاضي قد قالت لك الجدة قولا فاستمع مني ولا تطردني رده.. تعزى النفس عن ابني وكبدي حملت كبده، فلما صار في حجري يتيمًا مفردًا وحده تزوجت رجاء الخير من يكفيني فقده ومن يظهر لي الود ومن يحسن لي رفده.. فقال شريح: «قد سمع القاضي ما قلتما ثم قضى، وعلى القاضي جهد إن غفل»، وقال للجدة: «بيني بالصبي، وخذي ابنك من ذات العلل، إنها لو صبرت كان لها قبل دعوى ما تبتغيه للبدل» فقضى به للجدة.
وأخبر المسعودي عن أبي حصين فقال: سئل شريح عن شاة تأكل الذباب، فقال: علف مجان ولبن طيب.
ورع شريح
كان شريح القاضي شديد الورع، قال له ابنه يوماً: يا أبت إن بيني وبين قوم خصومة فانظر فيها فإن كان الحق لي قاضيتهم وإن كان لهم صالحتهم ثم قص عليه قصته، فقال له شريح انطلق فقاضهم فمضى إلى خصومه ودعاهم إلى المقاضاة فاستجابوا له، ولما مثلوا بين يدي شريح قضى لهم على ولده، فلما رجع شريح وابنه إلى البيت قال الولد لأبيه: فضحتني يا أبت، والله لو لم أستشرك من قبل لما لمتك.
فقال شريح: يا بنى والله لأنت أحب إلي من ملء الأرض من أمثالهم ولكن الله، عز وجل، أعز علي منك، لقد خشيت أن أخبرك بأن الحق لهم فتصالحهم صلحا يفوت عليهم بعض حقهم فقلت لك ما قلت.
وقد كفل ولد لشريح رجلًا فقبل كفالته، فما كان من الرجل إلا أن فر هاربًا من يد القضاء، فسجن شريح ولده بالرجل الفار، وكان ينقل له طعامه بيده كل يوم إلى السجن!!.
لماذا ترك القضاء؟
عندما تولى الحجاج بن يوسف الثقفي ولاية الكوفة، استقال شريح، وكانت أول مرة يفعلها بعد أن قضى في عهد خمسة خلفاء، قائلًا: “والله لا أستطيع أن أكون قاضيًا والحجاج يحكم”.
وفاته
توفي بعد ترك القضاء بزمن يسير، وكان يبكي وهو يموت ويحتضر فسئل لماذا تبكي؟! فأجاب: في مرة لم أسوِّ بين متخاصمين. قالوا كيف؟!. قال: مال قلبي لأحدهم.
عاش مائة وثماني سنين وتوفي سنة 78 هجرية، رحمه الله.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا