رئيس التحرير
عصام كامل

الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة "قاضي الشريعة" الإمام الشافعي (2 – 5)

مشهد الوداع في حياة
مشهد الوداع في حياة "قاضي الشريعة" الإمام الشافعي، فيتو

في هذه السلسلة، نتناول استعراضًا لليالي الأخيرة في حياة بعض الصالحين، ممن يصدُق عليهم ما نصفه بـ "حُسن الخاتمة"، والفراق الطيب، والرحيل الجميل، بعد حياة حافلة بالإيمان بالله ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وبالحسنات، والالتزام بآداب الإسلام، وتعاليم الشريعة السمحة.

تنقل الشافعي بين مكة والمدينة، وبغداد ومصر، فنهل من علوم فقهاء كل بلد.. وتفوق عليهم.. وفي مصر غيَّر بعضا من فتاواه، التي ضمنها مذهبه.

ونظرًا لتأييده آل بيت رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وجهره بالحق، واجه الإمام أكثر من محنة، أشهرها مع هارون الرشيد.. تلك التي كاد يفقد فيها حياته.

في بغداد

بعد مكوثه في بغداد، عاصمة الدولة الإسلامية وقتها، انتقل الشافعي مجددًا إلى مكة ليمزج بين “فقه أهل الحديث (الحافظين الملتزمين بأقوال النبي)، و”فقه أهل الرأي (أصحاب الرأي والقياس)”، ليبدأ فقه ثالث الأئمة في النضوج.

في مكة

وخلال إقامته في مكة، بدأ الشافعي في وضع أسس الفقه الشافعي القائم على المزج بين أحكام السنة والقرآن الكريم والاجتهاد في المسائل والأحكام الدينية قياسًا ما لم تكن في القرآن ولا السنة. ولاحقًا، سافر الشافعي إلى بغداد للمرة الثانية، حاملًا قواعد فقهية كلية، فكان قبلة للفقهاء والعلماء في زمانه، وخلال إقامته هناك أعد النسخة الأولى خلاصة فقهه “كتاب الرسالة”.

والكتاب يضع الضوابط التي يلتزم بها الفقيه أو المجتهد لبيان الأحكام الشرعية لكل حديث ومستحدث في كل عصر، ولما أقام بمصر أعاد الإمام تنقيح الكتاب.

“قاضي الشريعة”

قدم الإمام الشافعي إلى مصر سنة 815 ميلادية، ومات فيها في 20 يناير 820 ميلادية. 
وفي مصر عُرِف بالحكمة والبلاغة والشعر، فاقترون اسمه بـ”الإمام” وأسماه فقراؤها “قاضي الشريعة” وأحبوه وظلوا متعلقين بمقامه وضريحه (وسط القاهرة) إلى يومنا هذا، والذي يعد واحدًا من أكبر الأضرحة الإسلامية في الكنانة.

في مصر

وفي مصر، تجسدت أمام عينيه فكرة أن الشرع يدور حيث تكون مصالح الناس، وفي مسجد عمرو بن العاص بالقاهرة، جلس مفتيًا مهتمًّا باختلاف الناس، فقام بتعديل وتغيير بعض آرائه، فقال عنه الإمام أحمد بن حنبل، رابع الأئمة الأربعة وصاحب المذهب الحنبلي: “خذوا عن أستاذنا الشافعي ما كتبه في مصر".

مذهبه في مصر والعالم الإسلامي

تعد مصر الموطن الأول للمذهب الإمام الشافعي، ورغم فقدانه صفته الرسمية بالبلاد لصالح المذهب “الحنبلي”، إلا أنه باقٍ بجانب المذهب المالكي في العديد من قرى مصر، ولا يزال يُدَرَّس في الجامع الأزهر.

طالع للمزيد: مقامات ومزارات.. وكيع بن الجراح أستاذ الشافعي وابن حنبل الذي رفض تولي القضاء


وقد انتشر المذهب الشافعي بعد مقامه في مصر والسودان، فظهر في العراق، وكثر أتباعه في بغداد، وانتشر بين أهل الشام، وغلب على كثير من بلاد خراسان وتوران واليمن، ودخل ما وراء النهر، وبلاد فارس والحجاز وتهامة، وزاد انتشاره في كردستان وأرمينية والقوقاز وتركستان الشرقية وبعض بلاد جنوب شرق آسيا والهند، وتسرب إلى بعض شمال وشرق أفريقيا، والأندلس بعد سنة 300 هـ.

عودة إلى مكة

عاد بعدها إلى مكة وفي صدره إلى جوار القرآن الكريم والشعر والآداب والأخبار والأنساب، ثروة هائلة من اللغة فتحت له مغاليق المعاني، وأكسبته ذوقا أدبيا أتاح له إدراك لطائف البلاغة وأسرار البيان، لدرجة جعلت الأصمعي يقول "صححت شعر هذيل على فتى من قريش اسمه محمد بن إدريس الشافعي".

رحلته مع الشعر

بينما هو يسير ذات يوم على دابة تمثل ببيت شعر، قال له كاتب والد مصعب بن عبد الله الزبيري مستنكرا: "مثلك يذهب بمروءته في هذا؟! أين أنت من الفقه؟! قال: فهزه ذلك، وقصد مسلما بن خالد الزنجي مفتي مكة، ثم قدم المدينة على مالك".

ضريح الإمام الشافعي بالقاهرة، فيتو
ضريح الإمام الشافعي بالقاهرة، فيتو


أقبل بعدها على أهل الحديث والتفسير من شيوخ مكة وعلمائها، ومن بينهم مقاتل بن سليمان ومسلم بن خالد الزنجي الذي أذن له بالإفتاء، وقال له: "آن لك أن تفتي"، لكنه تهيَّب مقام الفتيا واختار الرحلة لطلب مزيد من العلم.
كانت المدينة المنورة أولى منازله في الرحلة، وقصد دار إمام دار الهجرة مالك بن أنس بعدما حفظ موطأه كاملًا، فلازمه يفيد من علمه، ورحل بعدها إلى الكوفة بالعراق فتتلمذ على القاضي محمد بن الحسن الشيباني وأبي يوسف، وأخذ من علمهما ونسخ كتبا عديدة، وانتقل بعدها إلى بلاد فارس وغيرها، فاستغرقت رحلته سنتين ازداد فيهما فقها وعلما بالأمصار وأحوال الناس وطباعهم.

محنة الشافعي مع الرشيد

لما عاد إلى المدينة لازم الإمام مالكًا حتى وفاته سنة 179هـ، ففكر في عمل يدفع به حاجته، ووافق ذلك قدوم والي اليمن إلى الحجاز وطلب أن يصحبه معه (قيل إن بعض القرشيين تدخلوا لدى الوالي لأجل اصطحابه معه بعدما أثنوا على نسبه وعلمه وأخلاقه) وولاَّه على نجران.
كانت تلك أول وآخر وظيفة تقلدها الشافعي، وتسببت له في محنة كادت تهلكه، إذ جلب له حسن تدبيره وارتفاع ذكره بين الناس -شكرا وتقديرا لعلمه وعمله- المتاعب مع الوالي لما أبى أن يقره على مظالمه الكثيرة.
وواكب ذلك خروج تسعة من العلويين في اليمن على الخلافة، فاستغلها الحاقدون بمن فيهم الوالي، ووشوا به عند الحاكم هارون الرشيد بتهمة أنه رأس الخارجين عليه.

وشاية الوالي

وكتب الوالي للخليفة: إن الشافعي "وتسعة آخرين من العلويين يكادون يخرجون على الحاكم… ولا أمر لي معه ولا نهي، فهو يعمل بلسانه ما لا يقدر عليه المقاتل بسيفه".
فأمره الرشيد باعتقالهم وإرسالهم إليه، فاقتيد مع التسعة إلى بغداد على ظهر بغل سنة 184هـ مثقلا بالأغلال في عنقه والحديد في قدميه وعمره 34 سنة.
ولم ينجُ الشافعي من المحنة إلا باللطف الإلهي وفطنته وقوة حجته، وشهادة شيخه القاضي محمد بن الحسن لصالحه عند الخليفة. 
وروى الشافعي تفاصيل هذه المحنة في الجزء الأول من كتابه "الأم".
حيث روى أنهم دخلوا على الرشيد، وأمر بقطع رؤوسهم واحدا تلو الآخر إلى أن وصل دوره، فقال: "ثم قدمت ومحمد بن الحسن جالس معه، فقال لي مثل ما قال للفتى (الذي مر قبله)، فقلت: يا أمير المؤمنين لست بطالبي ولا علوي، وإنما دخلت في القوم بغيًا عليهم، وإنما أنا رجل من بني المطلب بن عبد مناف من قصي، ولي مع ذلك حظٌّ من العلم والفقه، والقاضي يعرف ذلك، أنا محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف. فقال لي: أنت محمد بن إدريس؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: ما ذكرك لي محمد بن الحسن. 


ثم عطف على محمد بن الحسن، فقال: يا محمد ما يقول هذا، هل هو كما يقول؟ قال: بلى وله من العلم محل كبير، وليس الذي رفع عليه من شأنه، قال: فخذه إليك حتى أنظر في أمره".
وتذكر كتب التاريخ أن الرشيد أمر في أثناء الحوار مع الشافعي بفك الحديد عنه وأجلسه، ثم أمر القاضي محمد بن الحسن الشيباني باصطحابه وإكرامه، وقد أقنع القاضي الخليفة حتى رضي عنه واقتنع ببراءته، وعقد له مجلسًا لأهل العلم والفقه وعلوم أخرى ليختبره، فأعجب والحضور بسعة علمه وحسن منطقه فأكرمه بالعطايا.

 

 

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية