الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة عمر بن عبد العزيز (2 – 4)
في هذه السلسلة، نتناول استعراضًا لليالي الأخيرة في حياة بعض الصالحين، ممن يصدُق عليهم ما نصفه بـ "حُسن الخاتمة"، والفراق الطيب، والرحيل الجميل، بعد حياة حافلة بالإيمان بالله ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وبالحسنات، والالتزام بآداب الإسلام، وتعاليم الشريعة السمحة.
تولى عمر بن عبد العزيز عام 87 هـ إمارة المدينة في عهد ابن عمه الوليد بن عبد الملك بعد عزله واليها السابق الذي لم يكن حسن السيرة في أهلها، وكانت المدينة تأوي عددًا من الساخطين على حكم بني أمية والناقدين على سياساتهم الظالمة.
وكان عمر مدركًا لطبيعة المدينة الاجتماعية والسياسية، فأول ما تسلم الإمارة بادرَ إلى تشكيل مجلسٍ للشورى ضمَّ فقهاء المدينة السبعة وأعيانًا من أهلها لهم مكانة اجتماعية فيها وحضورٌ سياسيٌّ بارزٌ.
وكان منهم القاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، وخارجة بن زيد، وسليمان بن يسار، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله، وسالم بن عبد الله وغيرهم، وحدد لهم ما يبتغيه منهم، فقال: "إني دعوتكم لأمر تؤجرون عليه وتكونون فيه أعوانا على الحق، ما أريد أن أقطع أمرا إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم، فإن رأيتم أحدا يتعدى، أو بلغكم من عامل لي ظُلامة، فأحرّج بالله على أحد بلغه ذلك إلا أبلغني".
مع سعيد بن المسيب
وكان عمر لا يخرج عن رأيهم، لا سيما إذا كان هذا الرأي مما يوافق عليه سعيد بن المسيب، وكان ابن المسيب لا يدخل على أحد من الخلفاء، غير أنه كان يدخل على عمر ويأتيه فينصحه ويذكره ويشير عليه.
وأقبل عمر أول الأمر على إغلاق دور الشراب والمجون، وكان يدور في أزقة المدينة نهارًا ويعسّ فيها ليلًا يراقب ويرصد.
وقد هداه هذا السعيُ في شوارع المدينة إلى المحتاجين والفقراء، فتتبع حاجاتهم وسدّ رمقهم وردّ كرامتهم، وكان قد اشترط على ابن عمه الخليفة ألّا يرفع العطاء إليه حتى يسد حاجة أهل المدينة.
وقام بتوجيهات من الوليد بتوسعة المسجد النبوي وضم إليه حجرات أزواج الرسول، صلى الله عليه وسلم، باستثناء حجرة السيدة عائشة، رضوان الله عليهن جميعا، كما جوّف محرابه ورفع المآذن عليه، فصارت سنة في المساجد.
أمير الحج
وظلّ أميرًا للحج سنوات إمارته على الحجاز، يقيم الحج ويخطب في الناس ويعظ ويفتي ويعلم الناس المناسك.
ومن أهم مآثره إبان حكمه المدينة والحجاز جسر الهوة بين السلطة الحاكمة وبني هاشم ممن أصابتهم الجفوة من بعض خلفاء بني أمية، فرفع المظالم عنهم وأمر بصلتهم ورحب بهم وأمر ألا يقفوا على بابه إذا حضروا، بل يدخلون من ساعتهم.
فكان يقول: "إني أستحيي من الله أن يقف ببابي رجل من أهل بيت النبي، صلى الله عليه وسلم، فلا يؤذن له عليّ من ساعته".
وكان يقول لهم: "والله ما أهل بيت على ظهر الأرض أحب إلي منكم، ولأنتم أحب إليّ من أهل بيتي".
مؤامرة الحجاج الثقفي
وظل يقيم العدل ما وسعه ذلك ويرفع عن الناس المظالم حتى ضاق به الحجاج بن يوسف الثقفي، عامل الوليد على العراق بعد أن آوى الذين فروا من بطشه إلى المدينة، فكتب الحجاج إلى الوليد يغمزه بذلك ويصف الأمر بالوهن في الحكم والضعف في الحاكم فقام الوليد بعزل عمر عن الإمارة.
فخرج من المدينة يتلفّت باكيا، ويقول لخادمه: "يا مزاحم، نخشى أن نكون ممن نفت المدينة"، في إشارة إلى حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها، كما ينفي الكير خبث الحديد".
محاولة للإصلاح
وصل عمر إلى دمشق في محاولة منه للإصلاح بمنع ما يستطيع من المظالم التي كانت تؤرّقه مستشعرا المسؤولية بوصفه فردًا من العائلة الحاكمة، غير أنه لم يكن على وفاق مع الوليد، فظلت محاولات الإصلاح متوقفة حتى توفي الوليد وخلفه أخوه سليمان، حينها رأى عمر أن الفرصة مهيأة للإصلاح والتغيير، وكان سليمان مؤثرًا للحق محبًا للعدل فاستوزر عمر وعينه مستشارًا له.
ومن وزراء سليمان كذلك رجاء بن حيوة الرجل العالم الصالح الذي ظل يحث سليمان على استخلاف عمر، حتى قال سليمان مرة في حضرة جمع من بني أمية: "والله لأعقدنّ لهم عقدا لا يكون فيه للشيطان نصيب".
وبويع عمر بالخلافة في صفر سنة 99هـ، ولم يَرُقْ ذلك الأمر بعض أبناء عبد الملك غير أنهم أذعنوا لما رأوا من إقبال الناس وفرحهم بخلافة عمر، وكان عمر كارهًا للأمر راغبًا عنه، مستشعرا ثقل المسؤولية وعبئها، ولما خطب في الناس أول الأمر أحلهم من بيعته، غير أنهم صاحوا صيحة واحدة: "قد اخترناك يا أمير المؤمنين".
وقد استغرقت المسؤولية الثقيلة كل وقت عمر وجهده، حتى إن زوجته فاطمة كانت تدخل عليه فتراه ساهمًا يبكي، فتسأله فيجيبها: "لقد علمت أن ربي سيسألني عمن وليت عليهم، وأن خصمي دونهم محمد، صلى الله عليه وسلم".
وروى حماد بن زيد، عن أبي هاشم أن رجلًا جاء إلى عمر بن عبد العزيز فقال: رأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، في النوم، وأبو بكر عن يمينه، وعمر عن شماله، فإذا رجلان يختصمان وأنت بين يديه، فقال لك: يا عمر؛ إذا عملتَ (توليت الخلافة) فاعمل بعمل هذين، فاستحلفه عمر: بالله لرأيت؟ فحلف له، فبكى.
الخليفة الزاهد
وتقول زوجه: "إن عمر رحمه الله كان قد فرغ نفسه وبدنه للناس كان يقعد لهم يومه، فإن أمسى وعليه بقية من حوائج يومه وصلَه بليلته، إلى أن أمسى مساء وقد فرغ من حوائج يومه فدعا بسراجه الذي كان يسرج له من ماله، ثم قام فصلى ركعتين، ثم أقعى واضعا رأسه على يده، تسيل دموعه على خده، يشهق الشهقة، فأقول: قد خرجتْ نفسه أو تصدعت كبده، فلم يزل كذلك ليلته حتى برق له الصبح، ثم أصبح صائمًا".
ومنذ أن ولي الخلافة ترك المباهج بكل صورها وهو الذي ورث عن أبيه أموالًا طائلة، فعاش متقشفا زاهدا كأي فرد من أبناء أمته.
دخلت ابنة عمر بن عبد العزيز عليه تبكي، وكانت طفلة صغيرة آنذاك، وكان يوم عيد المسلمين فسألها ماذا يبكيك؟
قالت: كل الأطفال يرتدون ثيابًا جديدة وأنا ابنة أمير المؤمنين أرتدي ثوبًا قديمًا، فتأثر عمر لبكائها وذهب إلى خازن بيت المال، وقال له: أتأذن لي أن أصرف راتبي عن الشهر المقبل؟
فقال له الخازن: ولم يا أمير المؤمنين؟ فحكى له عمر السبب، فقال الخازن: لا مانع ولكن بشرط؟
فقال عمر: وما هو هذا الشرط؟ فقال الخازن أن تضمن لي أن تبقي حيًّا حتى الشهر المقبل لتعمل بالأجر الذي تريد صرفه مسبقًا؟!، فتركه عمر وعاد فسأله أبناؤه: ماذا فعلت يا أبانا؟
قال: أتصبرون وندخل جميعًا الجنة، أم لا تصبرون ويدخل أبوكم النار؟ قالوا: نصبر يا أبانا.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا