رئيس التحرير
عصام كامل

الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة عبد الله بن عمر (1 – 2)

 مشهد الوداع في حياة
مشهد الوداع في حياة عبد الله بن عمر، فيتو

في هذه السلسلة، نتناول استعراضًا لليالي الأخيرة في حياة بعض الصالحين، ممن يصدُق عليهم ما نصفه بـ "حُسن الخاتمة"، والفراق الطيب، والرحيل الجميل، بعد حياة حافلة بالإيمان بالله ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وبالحسنات، والالتزام بآداب الإسلام، وتعاليم الشريعة السمحة.

 

كثيرون لا يعلمون أن عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما، يعتبر من ضحايا تلك الحقبة البغيضة التي اشتهرت باسم "الفتنة الكبرى"، وفهو الشهيد ابن الشهيد، وإن كان موته لم يتحقق على يد كافر، بل جاء على يد مسلم، في وقت اتسم بالضبابية الشديدة، وشهد العديد من النكبات والكوارث والمآسي.

 

مات عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، أثناء حكم الأمويين، الذين أطلقوا يد سفاحهم الحجاج بن يوسف الثقفي، ومنحوه تصريحا بلا قيود في حصد أرواح من يرى أن في قتلهم مصلحة الدولة الأموية، فقتل الخليفة (آنذاك) عبد الله بن الزبير، ومن ناصروه.

وأصيب، ضمن من أصيب من الأبرياء، الذين لم يكن لهم في الصراع ناقة ولا جمل، عبد الله بن عمر؛ إصابة أودت بحياته في نهاية الأمر.

كان عبد الله بن عمر من أكثر الصحابة رواية للحديث، فروى عن الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، وعن أبيه وأبي بكر وعثمان.

 كان من المتقين الزاهدين، فزهد في الخلافة واعتزل الفتنة، مدحه كثير من الصحابة وأثنوا عليه، توفي بمكة ودفن بها.

كان إسلامه بمكة مع إسلام أبيه، ولم يكن قد بَلَغ يومئذ. وهاجر مع أبيه إلى المدينة المنورة، وكان عمره عشر سنين.

 

اتباع بن عمر للرسول صلى الله عليه وسلم

كان عبد الله بن عمر حريصًا كل الحرص على أن يفعل ما كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، يفعله، وكان يجتهد في حفظ ما سمع من النبي، صلى الله عليه وسلم، ويسأل من حضر إذا لم يحضر عما قال أو فعل.

وكان يتتبع آثاره، صلى الله عليه وسلم، ويصلي في كل مسجد صلى فيه النبي، صلى الله عليه وسلم.

 شهد مع النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، حجة الوداع فوقف معه بعرفة فكان يقف في ذلك الموقف كلما حج، ولا يفوته الحج في كل عام.

 

وتقول في ذلك أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها: "مَا رَأَيْتُ أَلْزَمَ لِلْأَمْرِ الْأَوَّلِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ". حتى إنّ النبي نزل تحت شجرة، فكان ابن عمر يتعاهد تلك الشجرة، فيصبُّ في أصلها الماء لكيلا تيبس، لذلك قال عنه سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: "لَوْ شَهِدْتُ عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَشَهِدْتُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ".

 

جهاد عبد الله بن عمر

شهد عبد الله بن عمر العديد من المشاهد على صغر سنه، فقد شهد كل المشاهد مع النبي، صلى الله عليه وسلم، سوى بدر وأُحد، حيث استصغره النبي، صلى الله عليه وسلم، فعنه قَالَ: "عُرِضْتُ عَلَى النَّبِىِّ، صلى الله عليه وسلم، يَوْمِ بَدْرٍ، وَأَنَا ابْنُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي فِى الْمُقَاتِلَةِ، وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِى فِى الْمُقَاتِلَةِ وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَنِى فِى الْمُقَاتِلَةِ.

وهكذا كانت بداية جهاده في موقعة الخندق، كما أنه شهد بيعة الرضوان، وشهد مؤتة واليرموك.

وحضر يوم القادسية ويوم جلولاء وما بينهما من وقائع الفرس.

 وشهد فتح مصر، واختط بها، وقدم البصرة وشهد فتح فارس وورد المدائن مرارًا وفتح إفريقية، وغير ذلك.

 وكان عمره يوم انتقل رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، ثنتين وعشرين سنة.

عبادته

كان عبد الله مِن عُبّاد الصحابة منذ صغره، وكان ينام في المسجد، ويحدثنا ابن عمر: "كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى رَسُولِ، اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا، فَأَقُصَّهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنْتُ غُلاَمًا شَابًّا، وَكُنْتُ أَنَامُ فِي المَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي، فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ البِئْرِ وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ وَإِذَا فِيهَا أُنَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، قَالَ: فَلَقِيَنَا مَلَكٌ آخَرُ فَقَالَ لِي: لَمْ تُرَعْ،  فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ" فَكَانَ بَعْدُ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا".

تقواه وصلاحه

كان عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، من أهل التقوى والورع والعلم والصلاح، وقد ورد عن النبي، صلى الله عليه وسلم، كلامًا طيبا في محاسن عبد الله بن عمر، فعن حَفْصَةَ أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: "إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ". 

 وعَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلا كَتَبَ إِلَى ابْنِ عُمَرَ يَسْأَلُهُ عَنِ الْعِلْمِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إن العلم كثير يابن أَخِي، وَلَكِنْ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَفِيفَ الظَّهْرِ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وأموالهم، كاف اللِّسَانِ عَنْ أَعْرَاضِهِمْ، خَامِصَ الْبَطْنِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، لازمًا لجماعتهم فافعل.

 

وكان عبد الله، مثل أبيه، تهطل دموعه حين يسمع آيات النذير في القرآن؛ فقد جلس يومًا بين إخوانه فقُرئ: "وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلاَ يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ". (المطففين: 1-6)، فبكى حتى لم يستطع قراءة ما بعدها من الآيات.

كان رضي الله عنه من فقهاء الصحابة المعدودين وأعلم صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم بمناسك الحج، وقد أفتى المسلمين قرابة ستين سنة، فعَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: "كَانَ إِمَامَ النَّاسِ عِنْدَنَا بَعْدَ عُمَرَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَكَانَ إِمَامَ النَّاسِ عِنْدَنَا بَعْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ"، مكث ستين سنة يفتي الناس.

وعن أبي إسحاق الهمداني قال: كنا نأتي ابن أبي ليلى في بيته وكانوا يجتمعون إليه، فجاءه أبو سلمة بن عبد الرحمن فقال: أعُمر كان عندكم أفضل أم ابنه؟ فقالوا: لا، بل عمر. فقال أبو سلمة إن عمر كان في زمان له فيه نظراء، وإن ابن عمر كان في زمان ليس له فيه نظير.

روايته للحديث عن رسول الله

كان عبد الله شديد الحذر في روايته عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، فكان يروي الحديث كما سمعه من النبي، صلى الله عليه وسلم، من غير أن يزيد فيه ولا ينقص، فعن أبي جعفر قال: "لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا أَحْذَرَ أَنْ لَا يَزِيدَ فِيهِ وَلَا يُنْقِصَ مِنَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا".

كان ابن عمر من ذوي الدخول الرغيدة الحسنة؛ فقد كان تاجرًا ناجحًا، وكان راتبه من بيت مال المسلمين وفيرًا، ولكنه لم يدخر هذا العطاء لنفسه، بل كان يرسله إلى الفقراء والمساكين والسائلين، فعن أيوب بن وائل الراسبي، قال: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَأَخْبَرَنِي رَجُلٌ - جَارٌ لِابْنِ عُمَرَ - أَنَّهُ أَتَى ابْنَ عُمَرَ أَرْبَعَةُ آلَافٍ مِنْ قِبَلِ مُعَاوِيَةَ، وَأَرْبَعَةُ آلَافٍ مِنْ قِبَلِ إِنْسَانٍ آخَرَ، وَأَلْفَانِ مِنْ قِبَلِ آخَرَ، وَقَطِيفَةٌ فَجَاءَ إِلَى السُّوقِ يُرِيدُ عَلَفًا لِرَاحِلَتِهِ بِدِرْهَمٍ نَسِيئَةً، فَقَدْ عَرَفْتُ الَّذِي جَاءَهُ، فَأَتَيْتُ سُرِّيَّتَهُ (جاريته)، فَقُلْتُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكِ عَنْ شَيْءٍ وَأُحِبُّ أَنْ تَصْدُقِينِي؟ قُلْتُ: أَلَيْسَ قَدْ أَتَتْ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ مِنْ قِبَلِ مُعَاوِيَةَ، وَأَرْبَعَةُ آلَافٍ مِنْ قِبَلِ إِنْسَانٍ آخَرَ، وَأَلْفَانِ مِنْ قِبَلِ آخَرَ، وَقَطِيفَةٌ؟ قَالَتْ: بَلَى، قُلْتُ: فَإِنِّي رَأَيْتُهُ يَطْلُبُ عَلَفًا بِدِرْهَمٍ نَسِيئَةً، قَالَتْ: مَا بَاتَ حَتَّى فَرَّقَهَا، فَأَخَذَ الْقَطِيفَةَ فَأَلْقَاهَا عَلَى ظَهْرِهِ ثُمَّ ذَهَبَ فَوَجَّهَهَا ثُمَّ جَاءَ، فَقُلْتُ: يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ مَا تَصْنَعُونَ بِالدُّنْيَا، وَابْنُ عُمَرَ أَتَتْهُ الْبَارِحَةَ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَضَحٍ، فَأَصْبَحَ الْيَوْمَ يَطْلُبُ لِرَاحِلَتِهِ عَلَفًا بِدِرْهَمٍ نَسِيئَةً؟.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية