الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة الإمام الحسن سبط رسول الله (4 – 5)
في هذه السلسلة، نتناول استعراضًا لليالي الأخيرة في حياة بعض الصالحين، ممن يصدُق عليهم ما نصفه بـ "حُسن الخاتمة"، والفراق الطيب، والرحيل الجميل، بعد حياة حافلة بالإيمان بالله ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وبالحسنات، والالتزام بآداب الإسلام، وتعاليم الشريعة السمحة.
تمت مبايعة الإمام الحسن، رضي الله عنه، خليفة للمسلمين، في 18 رمضان عام 40 هجريا، الموافق شهر يناير من عام 661 م، ولم يكن أمر ولايته بناءً على وصية من أبيه الإمام علي، بل جاءت رغبة من جموع المسلمين في الكوفة الذين أرادوا أن يخلف الحسن والده الشهيد.
لم يجد المسلمون أفضل من الإمام الحسن يبايعونه بالخلافة بعد أبيه علي بن أبي طالب، وقد رُويَ أن عليًّا حين طُعِن قال له الناس: استخلف يا أمير المؤمنين، قال: لا، ولكنْ أدعكم كما ترككم رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، -أى بغير استخلاف- فإن يُرِد الله بكم خيرا، يجمعكم على خير، كما جمعكم على خير بعد رسول الله.
وبعد دفن الإمام عليٍّ تقدم قيس بن سعد بن عبادة إلى الحسن، فقال له: ابسُطْ يدَكَ أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه، فسكت الحسن فبايعه ثم بايعه الناس بعده.
وقد بويع الحسنُ فى الكوفة فى رمضان سنة 40 هـ، وعدة المبايعين للحسن بالخلافة أربعون ألفا.
خامس الخلفاء الراشدين
ويشير الكثير من المؤرخين إلى أن ولاية الإمام الحسن القصيرة كانت تتمة لمدة الخلافة الراشدة، والتي أخبر النبيُّ، صلى الله عليه وآله وسلم، سابقا أنها ستستمر 30 عاما فقط، ثم يتحولُ نظامُ الحكم إلى الملكي أو التوريث أشبه بالأنظمة الملكية.
وقد علَّقَ ابنُ كثيرٍ على هذا الحديث، فقال: إنما كملت الثلاثون بخلافة الحسن بن علي، فإنه نزل عن الخلافة لمعاوية في ربيع الأول في سنة إحدى وأربعين، وذلك كمال ثلاثين سنة من انتقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإنه انتقل إلى مولاه في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة، وهذا من دلائل النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه وسلم تسليمًا، وبذلك يكون الحسن خامس الخلفاء الراشدين.
شروط الصلح
وبمبايعة الحسن، دخلت أقطارُ العالم الإسلامي في طاعته ماعدا الشام ومصر اللتين كانتا تحت نفوذ معاوية بن أبي سفيان، لكن خلافة الحسن لم تدمْ أكثرَ من ستة أشهر، حيث تنازل عنها بمحض إرادته لحساب معاوية بعد مكاتبات ومراسلات بين الاثنين، مقابل شروط وضعها الحسن ووافق عليها معاوية:
1. أن تؤول الخلافةُ إلى الحسن بعد وفاة معاوية، أو إلى الحسين إن لم يكن الحسن على قيد الحياة.
2. ليس لمعاوية أن يعهد بالخلافة إلى أحد غيره.
3. الكف عن الإساءة للإمام على بن أبى طالب.
4. أن يفي معاوية بسداد الديون المتراكمة على الحسن.
5. أن يكفل معاوية سلامةَ أنصار علي ولا يُساء إليهم.
واصطُلح على تسمية سنة 41 للهجرة بـ "عام الجماعة".
معارضة البعض للصلح
ولقيَ الصلحُ بين الحسن ومعاوية الاستحسان والرضا من كثير من الناس؛ لما فيه من حقن الدماء المسلمين ورتق لنسيج الأمة الذي مزَّقته نيرانُ الفتن والحروب الدامية.
لكن بعضًا من أنصار الحسن عابوا عليه تخاذله وعيروه بالتفريط في الخلافة لمعاوية.
قال له رجلٌ: السلام عليك يا مُذِّلَّ المؤمنين، فقال له الحسن: "لست بمذل المؤمنين ولكني كرهت أن أقتلكم على الملك".
ثم أردف قائلًا: "إنَّا أهل بيت إذا علمنا الحق تمسكنا به، وإني سمعت عليًا يقول: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: لا تذهب الليالي والأيام حتى يجتمع أمر هذه الأمة على رجل واسع السُّرْمُ (مخرج الطعام من القولون)، ضخم البلعوم، يأكل ولا يشبع، لا ينظر الله إليه، ولا يموت حتى لا يكون له في السماء عاذر، ولا في الأرض ناصر، وإنه لمعاوية، وإني عرفت أن الله بالغ أمره.
وعندما سُئل الحسن عما حمله على التنازل لمعاوية، قال: كرهت الدنيا ورأيت أهل الكوفة قومًا لا يثق بهم أحد أبدًا إلا غُلِب. ليس منهم أحد يوافق آخر في رأي ولا هوى، مختلفين لا نيةَ لهم في خير ولا في شرِّ. لقد لقي أبي منهم أمورًا عظامًا فليت شعري لمن يصلحون بعدي. وهي أسرع البلاد خرابًا".
طالع أيضا: الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة عبد الله بن مسعود
وقال صالح بن أحمد: سمعت أبي يقول: بايع الحسن تسعون ألفا، فزهد في الخلافة وصالح معاوية، ولم يسفك في أيامه محجمة من دمٍ.
وعن ابن شوذب قال: لما قُتل عليٌّ سار الحسنُ في أهل العراق، وسار معاويةُ في أهل الشام فالتقوا، فكرِه الحسنُ القتالَ، وبايع معاوية على أن يجعل العهد للحسن من بعده. قال فكان أصحاب الحسن يقولون: يا عار المؤمنين. قال: فيقول لهم: العار خير من النار.
وعن محمد بن سيرين قال: لما دخل معاوية الكوفة وبايعه الحسن بن علي قال أصحاب معاوية لمعاوية: مُر الحسن بن علي أن يخطب; فإنه حديث السن عييّ، فلعله يتلعثم فيتضع في قلوب الناس. فأمره، فقام فاختطب، فقال في خطبته: أيها الناس، والله لو ابتغيتم بين جابلق وجابرس رجلا جده نبي غيري وغير أخي لم تجدوه، وإنا قد أعطينا بيعتنا لمعاوية، ورأينا أن حقن دماء المسلمين خير من إهراقها، والله ما أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين. وأشار إلى معاوية، فغضب من ذلك وقال: ما أردت من هذه؟ قال: أردت منها ما أراد الله منها.
وعن يزيد بن خمير قال: سمعتُ عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي يُحَدِّثُ عن أبيه، قال: قلت للحسن بن علي: إن الناس يزعمون أنك تريد الخلافة.
فقال: كانت جماجم العرب بيدي، يسالمون من سالمت ويحاربون من حاربت، فتركتها ابتغاء وجه الله، ثم أثيرها بأتياس (ذكور الماعز) أهل الحجاز؟!
وعن زيد بن أسلم قال: دخل رجل على الحسن بن علي المدينة وفي يده صحيفة، فقال: ما هذه ؟ فقال: من معاوية يعد فيها ويتوعد.
قال: قد كنت على النصف منه. قال: أجل، ولكن خشيت أن يجيء يوم القيامة سبعون ألفا، أو ثمانون ألفا، أو أكثر أو أقل، كلهم تنضح أوداجهم دما، كلهم يستعدي الله فيم هريق دمه؟.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.