رئيس التحرير
عصام كامل

الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة سعيد بن جبير (2 - 4)

 مشهد الوداع في حياة
مشهد الوداع في حياة سعيد بن جبير، فيتو

في هذه السلسلة، نتناول استعراضًا لليالي الأخيرة في حياة بعض الصالحين، ممن يصدُق عليهم ما نصفه بـ "حُسن الخاتمة"، والفراق الطيب، والرحيل الجميل، بعد حياة حافلة بالإيمان بالله ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وبالحسنات، والالتزام بآداب الإسلام، وتعاليم الشريعة السمحة.

اتسم التابعي الكبير سعيد بن جبير بالشجاعة والإقدام، والزهد في الحياة الدنيا.. تصدى لإجرام بني أمية، وفضح مخالفاتهم، في وقت التف فيه علماء السوء حول أصحاب السلطة، وابتاعوا الدين بالدنيا.
أغضب ذلك ملوك بني أمية، وسدنتهم فتربصوا به، وقتلوه.

مع الصحابة والتابعين

صحب سعيد بن جبير كثيرا من الصحابة والتابعين وروى عنهم، لكنه لم يجد ضالته في العلم حتى التقى بالإمام علي بن الحسين "زين العابدين"، رضي الله عنهما، فنهل من هذا المنهل العذب العلوم الإلهية، واغترف من المدرسة المحمدية، فقد تشرّف سعيد بصحبة هذا الإمام العظيم فلازمه بعد وفاة ابن عباس، فانتقل سعيد إلى المدينة المنورة.
استظل سعيد بظل الشجرة النبوية وتغذى من ثمارها ونهل من علومها.
قال أبو القاسم الطبري عن سعيد: “هو ثقة الإمام، حجة على المسلمين”. 
وقال ابن حبان: "كان فقيهًا عابدًا فاضلًا". 
وقال ميمون بن مهران: "لقد مات سعيد بن جبير وما على الأرض رجلًا إلا يحتاج إلى سعيد".

كما أثنى على سعيد بن جبير بمثل هذه الأقوال كل من: أبو نعيم في "حلية الأولياء"، وابن شهر آشوب في "المناقب"، وابن حجر في "التقريب"، وابن العماد الحنبلي في "الشذرات".. وغيرهم كثيرون.

إمام الكوفة

كان سعيد بن جبير إمامًا عظيمًا من أئمة الفقه في عصر الدولة الأموية، وعُرِف بالجد والاجتهاد لنشر العلم في الكوفة.
وساهمت حلقات دروسه العلمية في إحداث نهضة علمية كبيرة بها، فأصبح إمامًا ومعلمًا لأهلها، وأجمع الذين أرخوا له علو كعبه في الفقه والحديث وعلوم الشريعة، وأن مراسلاته مهدت الطريق للمذاهب الفقهية التي يعتمد بعضها على الحديث، والبعض الآخر على الرأي.
وروى عنه عدد كثير من التابعين والعلماء منهم أيوب السختياني، وسلمة بن كهيل، والأعمش، وسليمان الأحول.

أحداث مأساوية في حياة بن جبير

عاصر سعيد بن جبير الكثير من الأحداث المأساوية التي مرت بها الأمة الإسلامية، فقد شهد ثورة عبد الله بن الزبير، وقذف الكعبة المشرفة بالمنجنيق، وكذلك واقعة الحرة واستباحة مدينة رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وغيرها من الأحداث التي أدمتْ قلوب المسلمين، وخاصة من كانوا مثل سعيد بن جبير من المؤمنين المخلصين، فهؤلاء كانت آلامهم أشد وهم يرون المقدسات والحرمات تُنتهك والدماءُ البريئة تُسفك والأموال تُنهب بغير وازع من دين أو ضمير.

كما شهد سعيد بن جبير صراعات عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ضد الحجاج، ومنها: وقعة دُجيل، ووقعة الأهواز، ووقعة دير الجماجم.
وذكر الطبري إن الوقعة الأخيرة "دير الجماجم" استمرت مائة يوم، وكذلك قال ابن الأثير في كامله.
واشترك سعيد مع القرّاء في تلك الوقائع، وكان شعارهم: "يا لثارات الصلاة"، وقتل من القرّاء خلق كثير في هذه الوقائع.
كان سعيد بن جبير يقول يوم دير الجماجم، وهي المعركة التي بين القراء وبين الحجاج، وهم يقاتلون: قاتلوهم على جورهم في الحكم، وخروجهم من الدين، وتجبّرهم على عباد الله، وإماتتهم الصلاة، فإنهم كانوا يصلون الجمعة قرب المغرب، وكان عندهم شيء من الجور، وكان من ينازعهم السلطان يضربونه بيد قوية، واستذلالهم للمسلمين.

أجد من الواجب على القارئ أن أورد هنا تفاصيل إحدى أهم تلك المعارك، وهي "دير الجماجم" التي كانت سببا في مقتل سيدنا سعيد بن جبير.

معركة دير الجماجم

دير الجماجم اسم موضع قرب الكوفة في العراق، سمي بهذا الاسم بعد معركة جرت فيه بين قبائل إياد من العرب وبين الفرس، فهزمت إياد الفرس، وقتلوا منهم عددًا كبيرًا، فجمعوا رؤوسهم في ذلك المكان فسمي "دير الجماجم"، وكان ذلك في أوائل القرن السادس الميلادي قبل البعثة النبوية بأكثر من قرن. 
وكان دير الجماجم مسرحًا لمعركة كبيرة بين جيش التابعي الفقيه عبد الرحمن بن الأشعث وجيش الحجاج بن يوسف الثقفي، في ولاية عبد الملك بن مروان. 
وكان ابن الأشعث قد أعلن الثورة ومعه عدد كبير من الفقهاء والتابعين، منهم: عامر الشعبي وسعيد بن جبير وأبو البختري الطائي، وعبد الرحمن ابن أبي ليلى، وعبد الله بن رزام الحارثي، وكانوا ناقمين على الحجاج لظلمه وجبروته، فجرت بين الفريقين عدة معارك انتصر فيها الأشعث. 
وفي أوائل سنة (82هـ/701م) التقى الفريقان في مكان يدعى "الزاوية" جنوب العراق، فهُزم جيش ابن الأشعث، الذيَ أخذ يعد العدة للقاء حاسم مع الحجاج.
وفي شعبان من السنة نفسها سار جيش ابن الأشعث الذي بلغ عدده قرابة المائة ألف مقاتل، وفيه كتيبة اسمها "كتيبة القراء" بقيادة جبلة ابن زحر ومعه الفقهاء وقراء القرآن، فعسكروا في موقع دير الجماجم، وسار الحجاج بجيشه فعسكر أمامهم. 
ونشب القتال، واستمر طويلًا حتى دخلت سنة 83 هـ، وكانت الغلبة في أكثر الأيام لأصحاب ابن الأشعث. 
فلما رأى عبد الملك بن مروان ذلك، أرسل إلى ابن الأشعث يعرض عليه عزل الحجاج عن العراق، بشرط أن يضع هو ومن معه السلاح، وأن يبايعوا عبد الملك، فرضي ابن الأشعث، إلا أن كثيرًا ممن معه خافوا على أنفسهم من الغدر، فحملوا ابن الأشعث على متابعة القتال.

 
واستمرت المعركة حتى قُتل جبلة بن زحر وكثير من القراء الذين معه، فأصاب الضعف جيش ابن الأشعث، وانهزم قائد ميسرتهم، فتفرق عن ابن الأشعث جيشه، وهربوا في كل ناحية، وفر ابن الأشعث إلى شمال العراق، ثم التجأ إلى "رتبيل" ملك الترك. 
وسار الحجاج فدخل الكوفة، التي كانت موالية لابن الأشعث، وأخذ يدعو الناس لمبايعته، فلا يأتيه أحد إلا قال له: أتشهد على نفسك أنك قد كفرت؟ 
فإن قال نعم بايعه، وإلا قتله. 
وانتهت بذلك ثورة عبد الرحمن ابن الأشعث.

 

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية