الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة محمد بن الحنفية (2 – 2)
في هذه السلسلة، نتناول استعراضًا لليالي الأخيرة في حياة بعض الصالحين، ممن يصدُق عليهم ما نصفه بـ "حُسن الخاتمة"، والفراق الطيب، والرحيل الجميل، بعد حياة حافلة بالإيمان بالله ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وبالحسنات، والالتزام بآداب الإسلام، وتعاليم الشريعة السمحة.
عُرف محمد بن الحنفية، رضي الله عنه، بالحكمة والشجاعة والتقوى والورع، والبلاغة أيضا، وعانى من أذى بني أمية، لكنه لم يشارك في الحروب والثورات ضدهم، فنجا من التنكيل والقتل.
موقفه في محنة سيدنا الحسين
بعد موت معاوية وعقد البيعة بالحكم ليزيد، أمر الأخير واليه على المدينة بأخذ البيعة له من سيدنا الحسين رغمًا عنه، فإن أبى ذلك فلتضرب عنقه.
وبعد محاولات والي المدينة المتكررة، وإصرار الإمام الحسين على الرفض من خلال مقولته المشهورة: "مثلي لا يبايع مثله"، عزم الإمام الحسين على الخروج من المدينة إلى مكة مع بنيه وبني اخوته وجلّ أهل بيته، فوصل خبر خروج سيدنا الحسين إلى محمد بن الحنفية الذي كان مريضًا، فأتى الحسين وقال له: يا أخي أنت أحب الناس إليّ وأعزهم علي، ولست أدخر النصيحة لأحد من الخلق إلا لك، وأنت أحق بها، تنح ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثم ابعث برسلك إلى الناس، فإن بايعوك حمدت الله على ذلك، وإن اجتمعوا على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك، ولم تذهب مروءتك ولا فضلك، وإني أخاف عليك أن تدخل مصرًا من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم، فطائفة معك وأخرى عليك فيقتتلون، فتكون لأول الأسنة غرضًا، فإذا خير هذه الأمة كلها نفسًا وأبًا وأمًا أضيعها دمًا وأذلها أهلًا.
فقال الإمام الحسين: فأين أذهب؟ قال: تنزل مكة فإن اطمأنت بك الدار وإلا لحقت بالرمال وشعب الجبال، وخرجت من بلد إلى آخر حتى تنظر ما يصير إليه أمر الناس فإنك أصوب ما تكون رأيًا وأحزمه عملًا، حتى تستقبل الأمور استقبالًا ولا تكون الأمور أبدًا أشكل عليك منها حين تستدبرها استدبارًا.
فقال سيدنا الحسين: يا أخي لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية.
فقطع محمد بن الحنفية كلام الحسين بالبكاء.
فقال له أخوه الحسين: يا أخي جزاك الله خيرًا لقد نصحت وأشرت بالصواب، وأنا عازم على الخروج إلى مكة وقد تهيأتُ لذلك أنا وإخوتي وبنو أخي وشيعتي أمرهم أمري ورأيهم رأيي. وأما أنت فلا عليك أن تقيم في المدينة فتكون لي عينًا عليهم لا تخفي عني شيئًا من النبوي.
وصية الإمام الحسين لأخيه
وقام الحسين من مجلسه مع أخيه ودخل المسجد، وقبل خروج الإمام الحسين من المدينة المنورة كتب وصية ودفعها إلى أخيه ابن الحنفية، وقال فيها: بسم الله الرّحمن الرّحيم، هذا ما أوصى به الحسين بن علي إلى أخيه محمد بن الحنفية، أن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا. ورسوله جاء بالحق من عنده وأن الجنة حق والنار حق والساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور. وإني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين. وهذه وصيتي إليك يا أخي وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. ثم طوى الكتاب وختمه ودفعه إلى أخيه محمد ابن الحنفية له.
وفي رواية أخرى: أن ابن الحنفية وصله خبر أن الحسين قد تهيأ للخروج من المدينة وقد أوشك موكبه على التحرك، فأقبل عليه ابن الحنفية وأخذ بزمام ناقة الحسين وهو يبكي، وقال له: ألم تعدني النظر في ما سألتك؟ فما حداك على الخروج عاجلًا؟ فرد عليه الحسين، قائلًا: لقد جاء رسول الله بعدما فارقتك وقال لي: لقد شاء الله أن يراك قتيلا، فاسترجع ابن الحنفية وقال: إذا كان الأمر كما تقول، فما معنى حملك للنساء، وأنت تخرج لهذه الغاية؟ فقال له: لقد شاء الله أن يراهن سبايا.. وعيناه تنهمر بالدموع والألم يحز في قلبه ونفسه وسلّم على أخيه وانطلق تلقاء مكة المكرمة.
وبعد وصول الإمام الحسين إلى مكة وقبيل خروجه منها إلى العراق لحق به أخاه ابن الحنفية إلى مكة، ودار بينهما هذا الحوار الذي نقله ابن طاووس عن الإمام الصادق: قال: جاء محمد بن الحنفية إلى الحسين في الليلة التي أراد الحسين الخروج في صبيحتها من مكة، فقال له: يا أخي، إن أهل الكوفة من قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك، وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى، فإن رأيت أن تقيم فإنك أعز من بالحرم وأمنعه.
فقال له الحسين: يا أخي قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم، فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت.
فقال له ابن الحنفية فإن خفت ذلك فصر إلى اليمن أو بعض نواحي البرّ، فإنك أمنع الناس به، ولا يقدر عليك أحد.
فقال الحسين: "أنظر في ما قلت".. وسلّم عليه ومضى.
أما بعد استشهاد الإمام الحسين، وعودة ركب السبايا إلى المدينة المنورة، ووصول هذه الأخبار إلى ابن الحنفية، فأقبل علي بن الحسين بن علي مع السبايا إلى المدينة، فبلغه خبر أخيه وما حصل له، وكان ابن الحنفية يتوضأ في طست من نحاس فأخذت دموعه تنهال في هذا الطست حتى سمع صوت وقوعها.
وفي رواية أخرى أنه أُغشِي عليه من شدة الجزع على مصاب أبي عبدالله الحسين.
وفاته ومكان دفنه
كانت ولادته المباركة في العام 20 أو 21 للهجرة، وكانت وفاته في العام 80 أو 81 للهجرة النبوية الشريفة، فيكون بذلك على حسب كلا الروايتين قد توفي عن عمر ناهز الستين من الأعوام.
أما عن مكان دفنه الشريف فقد اختلفت آراء المؤرخين بشكل كبير. حيث ذهب البعض إلى القول بمكة، والآخر إلى القول بالمدينة، والآخر إلى القول بالطائف، وكل ذلك بدون دليل أو حجة حيث لم يثبت وجود قبر له أو مقام في تلك الأماكن.
والأرجح أنه يقع بمنطقة باب الوزير بحي القلعة، وهذا الباب يطلق عليه "باب الوداع"، وأوله من مصر القديمة عند مقام سيدنا محمد بن أبى بكر الصديق، وأطلق علي هذه المنطقة باب الوداع نظرا لأن المصريين قديما كانوا يودعون فيه موتاهم، وهو ممتد إلى منطقة الحطابة أمام دار المحفوظات بحي القلعة وينتهي به إلى باب الوزير، وفى هذه المنطقة يوجد مقام لسيدنا محمد بن الحنفية، وعليه لوح رخامي "بكتابة حديثة" مكتوب عليه: "هذا مقام سيدي محمد ابن الإمام على أخو الإمام الحسن والإمام الحسين المشهور بابن الحنفية سنة 80 هجرية".
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا