الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة سعيد بن المسيب (2 – 3)
في هذه السلسلة، نتناول استعراضًا لليالي الأخيرة في حياة بعض الصالحين، ممن يصدُق عليهم ما نصفه بـ "حُسن الخاتمة"، والفراق الطيب، والرحيل الجميل، بعد حياة حافلة بالإيمان بالله ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وبالحسنات، والالتزام بآداب الإسلام، وتعاليم الشريعة السمحة.
يعد سعيد بن المسيب سيد التابعين، وأفقه الفقهاء.. عاصر الصحابة وتعلم منهم، وكاد يكون موسوعة في أحاديث "حميه" أبي هريرة.
التزامه بصلاة الجماعة
وفي التزامه بصلاة الجماعة، قال ميمون بن مهران: إن سعيد بن المسيب مكث أربعين سنة لم يلقَ القوم قد خرجوا من المسجد وفرغوا من الصلاة.
وعن قتادة، قال: قال سعيد بن المسيب ذات يوم: ما نظرت في أقفاء قوم سبقوني بالصلاة منذ عشرين سنة.
عن الأوزاعي، قال: كانت لسعيد بن المسيب فضيلةٌ لا نعلمها كانت لأحدٍ من التابعين، لم تفته الصلاةُ في جماعة أربعين سنة، عشرين منها لم ينظر في أقفية الناس. (أي كان يصلي في الصف الأول)
حدثنا عبد المنعم بن إدريس، عن أبيه، قال: صلَّى سعيد بن المسيب الغداةَ بوضوء العتمة (أي لم ينم الليل) خمسين سنة.
وقال سعيد بن المسيب: ما فاتتني التكبيرةُ الأولى منذ خمسين سنة، وما نظرتُ في قفا رجل في الصلاة منذ خمسين سنة.
حدثنا خالد بن داود يعني بن أبي هند عن سعيد بن المسيب، قال: وسألته ما يقطعُ الصلاةَ? قال: الفجورُ ويسترها التقوى.
وكان رضي الله عنه، يسرد الصوم (يصوم كل يوم).
وقال سعيد بن المسيب: لقد حججنا أربعين حجة.
حدثنا عمران بن عبد الله بن طلحة الخزاعي، قال: إن نفس سعيد بن المسيب كانت أهونَ عليه في ذاتِ الله من نفسِ ذبابٍ.
خشيته من الله
عن يحيى بن سعيد: أن سعيد بن المسيب كان يكثر أن يقول في مجلسه "اللهم؛ سلِّم سلِّم".
وقال سعيد بن المسيب: ما أكرمت العباد أنفسها بمثل طاعة الله عز وجل، ولا أهانت أنفسها بمثل معصية الله، وكفى بالمؤمن نصرةً من الله أن يرى عدوه يعمل بمعصية الله.
وكان يقول: يدُ اللهِ فوق عباده فمن رفع نفسه وضعه الله، ومن وضعها رفعه الله.. الناس تحت كنفه يعملون أعمالهم فإذا أراد الله فضيحة عبد أخرجه من تحت كنفه فبدت للناس عورته.
حدثنا عبد الله بن عبد الله الأموي، قال: حدثنا الحسن بن الحر، قال: سمعت يعقوب بن عتبة بن الأخنس، يقول: سمعت سعيد بن المسيب، يقول: سمعت عمر بن الخطاب، يقول: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: من اعتزَّ بالعبيد أذله الله.
مع القرآن الكريم
حدثنا الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة رضي الله تعالى عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن لكل شيء شرفًا يتباهون به وإن بهاء أمتي وشرفها القرآن.
عن ابن حرملة، قال: حفظت صلاة ابن المسيب وعمله بالنهار، فسألت مولاه عن عمله بالليل، فأخبرني فقال: وكان لا يدع أن يقرأ بـ "صاد والقرآن" كل ليلة، فسألته عن ذلك، فأخبرني فقال: "إن رجلًا من الأنصار صلى إلى شجرة فقرأ بصاد فلما مر بالسجدة سجد وسجدت الشجرة معه فسمعها تقول: اللهم أعطني بهذه السجدة أجرًا، وضع عني بها وزرًا، وارزقني بها شكرًا، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود".
وعن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب أنه كان للأوابين غفورًا، قال: "الذي يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب، ولا يعود في شيء قصدًا".
عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من اتقى الله عاش قويًّا وسار في بلاده آمنًا.
وقال سعيد بن المسيب: ما أيس من الشيطان من شيء إلا أتاه من قبل النساء، وقال: أخبرنا سعيد وهو ابن أربع وثمانين وقد ذهبت إحدى عينيه وهو يعشو بالأخرى: ما شيء أخوف عندي من النساء.
وعن إبراهيم ابن عبد الله الكتاني، أن سعيد بن المسيب زوج ابنته بدرهمين.
رفض تزويج ابنته لولي العهد وزوجها لفقير
عن ابن أبي وداعة (وهو كثير بن عبد المطلب بن أبي وداعة)، قال: كنت أجالس سعيد بن المسيب ففقدني أيامًا فلما جئته قال: أين كنت؟
قال: توفيت أهلي فاشتغلتُ بها، فقال: ألا أخبرتنا فشهدناها، قال: ثم أردت أن أقوم، فقال: هل استحدثت امرأة، فقلت: يرحمك الله ومن يزوجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة؟!، فقال: أنا، فقلت: أو تفعل، قال: نعم.
ثم حمد الله تعالى وصلى على النبي، صلى الله عليه وسلم، وزوجني على درهمين أو قال: ثلاثة، قال: فقمت ولا أدري ما أصنع من الفرح فصرت إلى منزلي وجعلت أتفكر ممن آخذ، وممن أستدين، فصليت المغرب وانصرفت إلى منزلي، واسترحت، وكنت وحدي صائمًا، فقدمت عشائي أفطر كان خبزًا وزيتًا، فإذا بآت يقرع، فقلت: من هذا؟ قال: سعيد، قال: فتفكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب فإنه لم يُر أربعين سنة إلا بين بيته والمسجد.
فقمت فخرجت فإذا سعيد بن المسيب فظننت أنه بدا له، فقلت: يا أبا محمد إلا أرسلت إليّ فآتيك، قال: لأنت أحق أن يؤتى، قال: قلت: فما تأمر؟، قال: إنك كنت رجلًا عزبًا فتزوجتَ فكرهتُ أن تبيت الليلة وحدك، وهذه امرأتُك، فإذا هي قائمة من خلفه في طوله، ثم أخذها بيدها فدفعها بالباب، وردَّ بالباب فسقطت المرأة من الحياء، فاستوثقتُ من الباب، ثم قدمتها إلى القصة التي فيها الزيت والخبز فوضعتها في ظل السراج لكي لا تراه، ثم صعدتُ إلى السطح فرميت الجيران (ناديتُ عليهم)، فجاءوني فقالوا: ما شأنك؟
قلت: ويحكم زوجني سعيد بن المسيب ابنته اليوم، وقد جاء بها على غفلة، فقالوا: سعيد بن المسيب زوَّجَك؟! قلت: نعم، وها هي في الدار.
قال: فنزلوا هم إليها وبلغ أمي فجاءت، وقالت: وجهي من وجهك حرامٌ إن مسستَها قبل أن أصلحها إلى ثلاثة أيام.
قال: فأقمت ثلاثة أيام ثم دخلتُ بها فإذا هي من أجمل الناس، وإذا هي من أحفظ الناس لكتاب الله وأعلمهم لسنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأعرفهم بحق الزوج.
قال: فمكثتُ شهرًا لا يأتيني سعيد ولا آتيه، فلما كان قرب الشهر أتيتُ سعيدًا وهو في حلقته، فسلمت عليه فرد عليَّ السلام، ولم يكلمني حتى تقوض أهل المجلس فلما لم يبق غيري، قال: ما حال ذلك الإنسان؟، قلت: خيرًا يا أبا محمد؛ على ما يحبُّ الصديق ويكره العدو.
قال: إن رابك شيءٌ فالعصا، فانصرفتُ إلى منزلي فوجَّه إليّ بعشرين ألف درهم.
قال عبد الله بن سليمان: وكانت بنت سعيد بن المسيب خطبها عبد الملك بن مروان لابنه الوليد بن عبد الملك حين ولاه العهد، فأبى سعيد أن يزوجه، فلم يزل عبد الملك يحتال على سعيد حتى ضربه مائة سوط في يوم بارد، وصبَّ عليه جرة ماء وألبسه جبة صوف.
وعن يحيى بن سعيد بن المسيب، قال سعيد: دخلت المسجد ليلة أضحيان، قال: وأظنُّ أن قد أصبحت، فإذا الليل على حاله، فقمت أصلي فجلست أدعو فإذا هاتفٌ يهتف من خلفي: يا عبد الله قل، فسأل: ما أقول? قال: قل: "اللهم إني أسألك بأنك مالك الملك وأنك على كل شيء قدير وما تشأ من أمر يكن".
قال سعيد: فما دعوتُ بها قط بشيء إلا رأيت نجحه.
العالم العامل
وكان سعيد في بحبوحة من العيش، وقد وضح أثر ذلك في مظهره وملبسه، وحسن هيئته تحدثا بنعمة الله عليه، وكان بمسلكه ذلك يعطي المثل العملي للعالم في نزاهته ونظافته، وحسن هندامه اقتداء برسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقد كان أجمل الخلق منظرًا، وأعجبهم مظهرًا، وأنظفهم ثوبًا، وكان يمشط شعره، ويدهن الطيب حتى تشم رائحته العطرة من بعيد وإذا مس أحد يده يبقى أثر الطيب عالقا بها مدة طويلة.
وكان لسعيد بن المسيِّب في بيت المال بضعةٌ وثلاثون ألفًا عطاؤه، وكان يُدعى إليها فيأبى، ويقول: لا حاجةَ لي فيه، حتى يحكمَ الله بيني وبين بني مروان.
كان سعيد رجلا وقورًا له هيبة عند مجالسيه فكان يغلب عليه الجد، عن عبد الرحمن بن حرملة، قال: ما كان إنسان يجترئ على سعيد بن المسيب يسأله عن شيء حتى يستأذنه كما يستأذن الأمير.
وعن ابن حرملة، قال: قال سعيد بن المسيِّب: لا تقولوا مُصيحف ولا مُسيجد؛ ما كان لله فهو عظيمٌ حَسنٌ جميل.
زهده
كان له مال يتجر فيه، ويقول: اللهم إنك تعلم أنى لم أمسكه بخلا ولا حرصًا عليه، ولا محبة للدنيا ونيل شهواتها، وإنما أريد أن أصون به وجهى عن بنى مروان حتى ألقى الله فيحكم فى وفيهم، وأصل منه رحمي، وأؤدي منه الحقوق التي فيه، وأعود منه على الأرملة والفقير والمسكين واليتيم والجار.
حدثنا سفيان بن عيينة، قال: قال سعيد بن المسيب: أن الدنيا نذلة، وهي إلى كل نذل أميل، وأنذل منها من أخذها بغير حقها، وطلبها بغير وجهها، ووضعها في غير سبيلها.
حدثني يحيى بن سعيد، قال: سمعت سعيد بن المسيب، يقول: لا خير فيمن لا يريد جمع المال من حله يعطي منه حقه ويكف به وجهه عن الناس.
عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، قال: لا خير فيمن لا يحب هذا المال يصل به رحمه ويؤدي به أمانته ويستغني به عن خلق ربه.
وعن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب: أنه مات وترك ألفين أو ثلاثة آلاف دينار، وقال: ما تركتُها إلا لأصونَ بها ديني وحسبي.
وقيل: ترك مائة دينار، وقال: أصونُ بها ديني وحسبي.
وعن سعيد المسيب، أنه قال: من استغنى بالله افتقر الناس إليه.
عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أول ما يرفع من الأمة الأمانة وآخر ما يبقى الصلاة ورب مصلٍّ لا خير فيه.
عن ابن شهاب الزهري، عن أحمد بن المسيب، عن عثمان بن عفان، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إذا سمعتم النداء فقوموا فإنها عزمة من الله.
عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن علي بن أبي طالب، كرَّم الله وجهه، أنه قال لفاطمة، رضي الله تعالى عنها: ما خير للنساء؟ قالت: أن لا يرين الرجال ولا يروهن، فذكره للنبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: إنما فاطمة بضعة مني.
عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عمار بن ياسر، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: حسنُ الخُلق خَلْقُ الله الأعظم.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا