الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة سعيد بن المسيب (1 – 3)
في هذه السلسلة، نتناول استعراضًا لليالي الأخيرة في حياة بعض الصالحين، ممن يصدُق عليهم ما نصفه بـ "حُسن الخاتمة"، والفراق الطيب، والرحيل الجميل، بعد حياة حافلة بالإيمان بالله ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وبالحسنات، والالتزام بآداب الإسلام، وتعاليم الشريعة السمحة.
كان سيد التابعين، سعيد بن المسيب من أورع الناس فيما يدخل بيته وبطنه، وكان من أزهد الناس فى فضول الدنيا والكلام فيما لا يعني، ومن أكثر الناس أدبا فى الحديث، جاءه رجل وهو مريض فسأله عن حديث فجلس فحدثه ثم اضطجع، فقال الرجل: وددت أنك لم تتعن (لم تتعب نفسك)، فقال: إنى كرهت أن أحدثك عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأنا مضطجع.
هو الإمام العلامة أبو محمد سعيد بن المسيِّب حزن بن أبي وهب القرشيُّ المخزوميُّ.. سيِّد التابعين، وقدوة السَّلف، فقيهُ الفقهاء السَّبعة، جبل العلم، وآية الحفظ، الشيخ الكامل، والعالم العامل، القويُّ في الحقِّ، والثابت عند الشَّدائد، الزَّاهد العابد.
علمه
تعلم الإمام سعيد بن المسيب، رضي الله عنه، على يد صحابة رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وكان شديد الاهتمام بالعلم والأحاديث.
وُلد في عهد عمر بن الخطاب في المدينة المنورة، وهو من قبيلة بني مخزوم، وترعرع في المدينة المنورة وتعلَّم فيها، وعاش فيها حياته بأكملها، لم يخرج منها إلا للجهاد أو الحج أو العمرة، وكان في المدينة في ذلك الوقت عدد كبير من صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام.
روايته للحديث
كان أحد فقهاء المدينة السبعة.. وعاش من تجارة الزيت وكان أحفظ الناس بأحكام عمر بن الخطاب وأقضيته حتى سُمِّي راوية عمر.
وزوَّجه أبو هريرة رضي الله عنه من ابنته، واصطفاه بالرعاية والعناية.
وكان أعلم الناس بأحاديث أبي هريرة، رضي الله عنه، لدرجة أن الحاكم النيسابوري اعتبره السند الأصح لأحاديث أبي هريرة.
قال قتادة: ما رأيتُ أحدًا أعلم بالحلال والحرام من سعيد بن المسيِّب.
وكان أعلم الناس بقضايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضاء أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، حتى قال عن نفسه: "ما أحد أعلم بقضاء قضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر وعمر مني".
وكان، رضي الله عنه، أعلم الناس بتفسير الرؤى والأحلام. عن إسماعيل بن أبي الحكم، قال: قال رجلٌ: رأيتُ كأنَّ عبد الملك بن مروان يبول في قبلة مسجد النبي، صلى الله عليه وسلم، أربع مرات، فذكرتُ ذلك لسعيد بن المسيِّب، فقال: إن صَدَقت رؤياك، قام فيه من صُلبه أربعة خلفاء.
وقيل له: يا أبا محمد، رأيت كأنِّي في الظل، فقمت إلى الشمس، فقال: إن صَدَقَت رؤياك لتُخرَجنَّ من الإسلام، قال: يا أبا محمد، إني أراني أُخرجت حتى أُدخلت في الشمس فجلست، قال: تُكره على الكفر، قال: فأُسِرَ وأُكره على الكفر، ثم رجع، فكان يُخبر بهذا بالمدينة.
صبره على البلاء
صبر الإمام سعيد بن المسيب على ابتلاءين عظيمين، وكان أحدهما عندما رفض مبايعة الوليد وسليمان أولاد عبد الملك بن مروان، فسجنه والي المدينة هشام بن إسماعيل المخزومي، وجلده 60 جلدة، وطاف المدينة به ثم سجنه، حتى أمر عبد الملك بإطلاق سراحه، وأمر قبيصة بن ذؤيب بأن يكتب اعتذارًا لسعيد.
فقال سعيد بعد أن قرأ الكتاب: "الله بيني وبين من ظلمني".
أما الابتلاء الآخر فحدث عندما طلب جابر بن الأسود بن عوف الزهري البيعة لعبد الله بن الزبير، ورفض سعيد بن المسيب، قائلًا: "لا، حتى يجتمع الناس"، فجلده جابر 60 جلدة.
وعندما وصل الخبر إلى ابن الزبير، أرسل إلى جابر يلومه، ويقول: "ما لنا ولسعيد، دعه".
سر مسالمة الحجاج لابن المسيب
كان الإمام سعيد بن المسيب من كبار التابعين، وكان ذات يوم يصلي في المسجد، وكان يصلي إلى جانبه الحجاج بن يوسف الثقفي، ولكنه حينها لم يكن أميرا ولا واليا ولا شيئا يذكر، فكان لا يتم الركوع ولا السجود في صلاته، فكأنه هو نفسه المسيء صلاته.
فلمّا انتهت الصلاة جلس الإمام سعيد يقرأ الأذكار التي عقب الصلاة، وأراد الحجاج أن ينصرف، فأمسك الإمام سعيد برداء الحجاج، ولم يكلمه حتى أتى على أذكاره كلها.
وبينما هو كذلك كان الحجاج يجر رداءه يريد الانصراف، والإمام سعيد ممسكٌ به، فلما انتهى الإمام من قراءة أذكاره التفتَ إلى الحجاج، وصار يؤنبه ويعلمه كيف تكون الصلاة الصحيحة.
فلما سمع الحجاج هذا الكلام من سعيد، اتبعه في باقي أيام حياته وتعلم كيفية الصلاة الصحيحة، ولكنه لم يجب الإمام سعيدا بشيء وخرج من المسجد.
وعندما صار نائبًا على المدينة المنورة قصد مجلس سعيد، وسأله: أأنت الذي رآني يوما لا أحسن الصلاة فوعظتني؟
فضرب سعيد صدره بيده، وقال: نعم. قال الحجاج: فجزاك اللَّه من معلم ومؤدب خيرًا، ما صليت بعدك صلاة إلا وأنا أذكر قولك، ثم قام ومضى.
ولذلك سُئل الإمام سعيد: ما بال الحجاج لا يستدعيك ولا يؤذيك كما يفعل مع باقي أئمة العصر؟!
فذكر لهم الإمام سعيد ما كان منه مع الحجاج في المسجد منذ زمن.
عبادته
عن بكر بن خنيس، قال: قلت لسعيد بن المسيب، وقد رأيت أقوامًا يصلون ويتعبدون: يا أبا محمد ألا تتعبد مع هؤلاء القوم?! فقال لي: يا ابن أخي إنها ليست بعبادة، قلت له: فما التعبد يا أبا محمد?! قال: التفكر في أمر الله والورع عن محارم الله وأداء فرائض الله تعالى.
عن صالح بن محمد بن زائدة: أن فتية من بني ليث كانوا عبادًا وكانوا يروحون بالهاجرة إلى المسجد ولا يزالون يصلون حتى يصلى العصر، فقال صالح لسعيد: هذه هي العبادة لو نقوى على ما يقوى عليه هؤلاء الفتيان، فقال سعيد: ما هذه العبادة ولكن العبادة التفقه بالدين والتفكر في أمر الله تعالى.
وقال سعيد بن المسيب: من حافظ على الصلوات الخمس في جماعة فقد ملأ البر والبحر عبادة.
حتى أن مسلم بن عقبة المري لما استولى على المدينة سنة 63هـ في موقعة الحرة، منع الناس من الصلاة في المسجد النبوي، فخاف الجميع منه ما عدا سعيد بن المسيب الذي رفض أن يخرج من المسجد النبوي ويترك صلاة الجماعة.
واشتكى عينيه، فقيل له: يا أبا محمد، لو خرجت إلى العقيق فنظرت إلى الخضرة فوجدت ريح البرية لنفع ذلك بصرك، فقال سعيد: فكيف أصنع بشهود العتمة والصبح? (العشاء والصبح).
وقال أيضا: ما فاتتني الصلاة في الجماعة منذ أربعين سنة.
وفي رواية: ما أذَّن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا