لن تتغير أمريكا.. إلا إذا تغيرنا
الذين راهنوا علي فوز أحد المرشحين نسوا أن يراهنوا على أنفسهم، ذلك أن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ولن تتغير أمريكا تجاه المنطقة ما لم تتغير المنطقة.. ومن المعلوم للكافة أن الحزب الجمهوري والديمقراطي، وجهان لعملة واحدة للرأسمالية الاقتصادية المتوحشة، ذات أدوار سياسية متبادلة في دعم الظلم في العالم، وفيما يبدو أن ما حدث كان مفاجئًا لنا لدرجة أن كل نقاط قوة هاريس التي تم الرهان عليها كانت هي نفسها نقاط ضعفها.
فالمثلية والإجهاض صنعا أكبر كتلة تصويتية لترامب عقابا علي خروج الحزب الديمقراطي علي الناموس الفطري للانسان، ولكننا صدقنا بعض الأوهام فالمجتمع الأمريكي يسمح للمرأة أنها تتعلم وتشتغل وتعمل في السياسة وتترشح ولكن لا يسمح لها بالرئاسة، بدليل فشل سيدتين (بيضاء وملونة) في الحصول على منصب الرئاسة.
بل كان السود والإسبان والنساء والمسلمين والعرب كتلة أخرى منحت أصواتها لترامب، بما يعني أننا نقامر بمستقبل المنطقة حين نراهن علي غيرنا، وأصبحنا لا نملك سوي التهليل والتشجيع من مقاعد المتفرجين في مهرجان الديمقراطية الأمريكية، ونبدي اندهاشنا وانزعاجنا كأفراد ودول بعد هذا الزلزال السياسي، واكتساح الجمهوريين أركان السلطة الثلاث الرئاسة ومجلسي الشيوخ والنواب..
وبغض النظر عن التأييد أو الرفض لترامب والخوف من رؤيته لمنطقتنا لم يكن مقبولا لشركاء الدم والتدمير وقتل الاطفال والنساء الذين أعلنوا صهيونيتهم بكل فجور أن يفوزوا، وفي كل الأحوال نحن
أمام مرحلة في غاية الإثارة، تحمل مخاطر كبيرة وفي نفس الوقت ستفتح أبواب التغيير وإعادة تشكيل القوى الإقليمية والدولية على حد سواء..
وسنرى ما هو أسوأ من صفقة القرن، وسوف يعود السمسار وكوشنار ورغم ذلك هناك ارتياح في تركيا والخليج العربي، وتفاؤل في مصر، وتوتر وقلق شديدان في إيران، وقلق في روسيا والصين، وأوروبا الفزعة تعيد حساباتها السياسية والعسكرية والاقتصادية جذريا، والعالم أمام أربع سنوات قد تنقلب فيها أحداث كثيرة رأسا على عقب..
وفوز ترامب يعنى الجمهوريون، يعنى اليمينيون، يعنى رجال الأعمال وأصحاب المصانع، يعنى خفض الفوائد والضرائب وأرباح أكثر للشركات، يعنى ارتفاع البورصة والدولار الأمريكى أمام جميع العملات وفوز حزبه بمجلسي الشيوخ والنواب يمنحه فرصة مريحة لتشكيل إدارته بالشكل الذي يراه، لن يعاني ما عاناه سلفه، سيكون قويًّا، وأكثر ثقة ببرنامجه وسياساته..
ترامب يعود منتقما، ويرى التفويض الجديد له تصحيحا لما اعتبره تزويرًا واستهدافًا شخصيًّا وهو فوز لليمين عالميًّا، وضربة قوية لليبراليين، ولذلك قد نرى تصاعد حظوظ اليمين في أية انتخابات قادمة في أوروبا.
والأمر المؤكد أن هزيمة هاريس ليست خبرا حزينا على الإطلاق، فإدارة بايدن الديمقراطية كانت شريكا أساسيا في دماء أهل غزة، ولو أن هاريس فازت لسارت في نفس الطريق.
والخلاصة فاز ترامب لأن اليمين المتطرّف يصعد في العالم، ولأن الناخبين عامة لا يحبون المواقف السياسية الرمادية، ولأن أمريكا لم تتهيأ بعد لجلوس إمرأة في المكتب البيضاوي، ثم إن الحزب الديمقراطى كان أداؤه سيء جدًّا وترك بايدن بصورة مهزوزة لفترة طويلة، وكان المفروض سحبه من اللعبة من زمان..
ومن دروس تلك الانتخابات، إن الاقتصاد هو أهم شيء بالنسبة للناخبين وكل القضايا الأخرى هي قضايا فرعية، وأن الاستطلاعات التي تحدد نسبة التأييد لمرشح عن الآخر أثبتت أنها خرافة لإنها لا تمثل المزاج العام، وأخيرا لعب البلوجر دورًا مهمًّا وجديدًا في الدعاية، لدرجة أن السفارة الأمريكية بالقاهرة لم تدع صحفيين أو إعلاميين لتغطية الانتخابات ولكنها دعت اثنين من البلوجر المصريين.