مشروع لتمصير مصر
في أسبوع جلس شاب يتحدث بحماس عن الدولار كعملة مصرية، في نفس الوقت الذي رفض المحصل عشرة جنيهات فكة، يتزامن ذلك مع نشر الجامعات والمدارس ورياض الأطفال باللغات الأخرى، والحصيلة مواطنين غير منتمين مع إنتشار الحوار باللغة الإنجليزية والاستهتار باللغة العربية في كل مدارس اللغات، وبدا إن هناك طبقة جديدة تسمي أهل كايرو، تعيش داخل منتجعات ربما لا نتحدث العربية أو العامية.
ورحم الله الزمن الذي كانت مصر تمصر فيه غزاتها، وللأسف نحن نتخيل هوية مصر منظومة مكتملة المكونات ثابتة الملامح عبر الزمن، وهذا غير صحيح، هوية مصر متحركة متغيرة بتغير العصور، في كل عصر لها مكوناتها وملامحها النابعة من سياق العصر ذاته والتي تختلف عما قبله وبعده.
ويبدو أن مخطط متعدد الاتجاهات يبذل مجهود خارق لطمس الهوية المصرية، ويظهر جليا في الفن والاغاني والإعلانات وتصدير الإنصاف من المثقفين والمبدعين في كل مجال ودفعهم للمقدمة.. والحال هكذا لم تعد ظاهرة تقليد العادات الغريبة في اوساط الشباب محصورة في جزئية بعينها، بل شملت شتى مناحي الحياة من مأكل ومشرب وملبس وبطبيعة الحال..
لم يقف الامر عند هذا الحد، بل تجاوزه الى وصف العادات والتقاليد الموروثة بالرجعية والظلامية والدعوة إلى التحرر منها باعتبارها موضة قديمة عفا عليها الزمن! وفي الوقت نفسه محاكاة وتبني النمط الغربي في كل شيء، والحقيقة كل شعوب الأرض تحترم لغتها الوطنية وتعتّز بها، وتعتبرها جزءا من هويتها وشخصيتها الإنسانية..
ولا نجد بدولة أجنبية استعمالا للغات أخرى، كما في دول اللسان العربية، وهذه الحالة في الواقع تعبر عن عقدة نفسية عندنا في تقليد الغرب.. وليس لها معنى لا من الناحية التجارية، ولا الثقافية. وهناك تقصير من قبل الجهات المسئولة (الترخيص والسجل التجاري) في متابعة هذا الأمر..
وربما يكون من المنطق في البداية أن نعيد لهذا البلد إسمه الذي أسماه الله لها في كل الكتب السماوية (مصر) بل نحن بحاجة إلى مراجعة أسماء القرى والشوارع والحارات في شتى عموم مصر، ولنبقى على ما كل ما له منها دلالة تاريخية أو وطنية أو اجتماعية، ونغير ما يثير الأزمات والحيرة..
وكذلك لابد من إعادة النظر فيها ومراجعاتها وتغييرها لأن هناك من بين المصريين من يقدم تضحيات وإنجازات كثيرة تستحق تخليد إسمه على تلك الشوارع، فأينما وليت وجهك ستطالعك أسماء أجنبية للمنتجعات في المدن الجديدة بل إن الساحل الشمالي بطوله لا يحمل إسما مصريا، وكذلك كل المولات والمحال والمدارس، وكأننا لسنا في بلدا يتكلم أهله العربية لغة القرأن التي كرمنا الله بها..
وخذ مثلا مدينة رفح الجديدة علي حدودنا الشرقية لماذا لا نسميها اسمًا أخر، كما كان يحدث في بدايات القرن الماضي، كانت هناك دعوات لتمصير الأسماء الأجنبية التي كانت شائعة، وهناك لجنة لمراجعة أسماء الشوارع في القاهرة..
وليت رئيس الوزراء الدكتور مصطفي مدبولي يطلب تقريرا بأعمال هذه اللجنة، ويراجع معاييرها في تغيير واستبدال الأسماء، لتطهير الشوارع من تلك الأسماء التي لاتحمل أي هوية مصرية أو عربية، لأنه لايزال هناك إصرار عليها بحجة الشيوع والرضوخ للرغبة الشعبية في بقاء هذه الأسماء في القاهرة وبقية المحافظات..
لا بد أن نحتفى في لوحات شوارعنا الزرقاء بأسماء النوابغ والأفذاذ والقادة التاريخيين، وقبلهم جميعا الشهداء، وتحت كل إسم تعريف بسيط بمنجزه الوطنى.. لتنقية الذاكرة الشعبية من شوائب لحقت بها في عصور الاستبداد.