رئيس التحرير
عصام كامل

عودة ترامب.. وعدٌ متجدد أم نذير لتحولات الشرق الأوسط؟

ها هي الولايات المتحدة تعيد مشهد عودتها إلى عهد دونالد ترامب، حيث بدأت التهاني تتدفق على رجل عاد بوعودٍ لم تنسها ذاكرة العالم، وأحلامٍ في استعادة مجده السياسي بحزمٍ لا يعرف التراجع. في لحظة فاصلة من التاريخ الأمريكي والدولي، تعود أمريكا إلى سياسة أكثر جرأةً، سياسةٍ لا تقف عند الخطوط الحمراء التي رسمتها الإدارات السابقة.

 

عودة ترامب تعني عودة لرؤية صريحة وصارمة، تضع المصالح الأمريكية فوق كل اعتبار، وتعيد صياغة قواعد اللعبة في الشرق الأوسط والعالم. ومن فلسطين إلى لبنان وسوريا، مرورًا بالأزمة الروسية-الأوكرانية، تبدو المنطقة أمام منعطف تاريخي، حيث تتجلى ملامح سياسة أمريكية أكثر انعزالية وربما أكثر استعدادًا لتحدي التوازنات الدولية.

 

فهل ستصمد التحالفات التقليدية أمام توجهات ترامب الجديدة؟ وهل سيكون الشرق الأوسط مستعدًا لمواجهة عهد يحمل في طياته قرارات حاسمة قد تعيد تشكيل مستقبل أجياله؟ يبدو أن عودة ترامب لن تكون مجرد حدث سياسي عابر، بل نقطة تحول تترقبها الساحة الدولية بعين القلق والترقب.

 

لم يكن انتخاب دونالد ترامب، منذ البداية، كغيره من رؤساء الولايات المتحدة. فهو ليس فقط أول رئيس يأتي من خارج الأطر السياسية التقليدية، بل أيضًا شخصية مثيرة للجدل، جريئة في مواقفها، وقد أكسبته تجربته الأولى كرئيس خبرة في التعامل مع قضايا معقدة في الساحة الدولية. 

 

وبينما ينتظر العالم عودته إلى البيت الأبيض، هناك توقعات متزايدة حول كيفية تعامله مع قضايا المنطقة الشائكة، ابتداءً من القضية الفلسطينية ومرورًا بالأزمات في لبنان وسوريا، وصولًا إلى الصراع الروسي الأوكراني.

رؤية مختلفة تجاه السلام

ترامب، بصفته رئيسًا سابقًا ورجل أعمال لا يميل إلى التورط في صراعات مفتوحة، قد يكون لديه نظرة أكثر واقعية لتحقيق السلام في الشرق الأوسط. وبالرغم من أن إدارته السابقة قدمت صفقة القرن، التي لم تلاقَ ترحيبًا فلسطينيًا، إلا أن العودة قد تشهد تغيرات في الأسلوب والمضمون، إذ يبدو أن ترامب أدرك تعقيدات الوضع وصعوبة فرض حلول من الخارج.

 

إن موقفه المعروف بعدم نزوعه للحروب، مع التركيز على المصالح الأمريكية الواضحة، قد يقوده إلى إعادة النظر في استراتيجيات التعامل مع إسرائيل وفلسطين، بما قد يفتح المجال أمام مفاوضات تُبنى على الواقعية السياسية وتراعي العدالة في توزيع الحقوق. ترامب، إذا ما أراد حقًّا تسجيل اسمه في قائمة الرؤساء المؤثرين، قد يركز على إنهاء العدوان والبحث عن حل حقيقي يتجاوز الإملاءات، وهو توجه قد يكون موضع ترحيب في المنطقة.

انسحاب من التدخلات المباشرة

شهدت المنطقة توترات عديدة طيلة العقد الماضي، وبرزت قضايا معقدة مثل الأزمة اللبنانية والتواجد الأمريكي في سوريا. ترامب، بشعاره أمريكا أولًا، أبدى في السابق تفضيلًا للانسحاب من التدخلات المباشرة التي ترهق الاقتصاد الأمريكي وتدخله في صراعات لا تنتهي. من هنا، فإن رؤيته لعدم التدخل قد تتجدد، مما يمنح الدول فرصة للتعامل مع مشكلاتها الداخلية بمعزل عن الضغوط الأمريكية المباشرة.

 

قد نشهد سياسة تقوم على دعم الدول من دون فرض أجندات خارجية، وترك المجال للشعوب لتحديد مستقبلها. ويأتي هذا ضمن إطار رؤية ترامب لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وتجنب أي مغامرات عسكرية مكلفة، خاصة بعد أن أثبتت التدخلات السابقة فشلها في تحقيق الاستقرار. وقد تشهد سياسته تعزيزًا لدور الدول الإقليمية، بما يسمح بحلول أكثر توازنًا للأزمات في لبنان وسوريا.

الواقعية بدل التصعيد

الأزمة الروسية الأوكرانية هي مثال صارخ على الصراعات الدولية المعقدة. ترامب، المعروف برفضه للتصعيد العسكري غير الضروري، قد يسعى إلى حل دبلوماسي يقوم على تفاهمات مصالحية تعطي كل طرف مساحته دون اللجوء إلى صدامات أكبر. 

موقفه من روسيا، الذي اتسم سابقًا بالمرونة مقارنةً بالإدارات الأمريكية الأخرى، قد يقوده إلى تعزيز لغة الحوار مع روسيا، وتجنب العسكرة الزائدة التي تهدد بتوسيع نطاق الصراع.

نهج يحفظ السيادة

يُرجح أن سياسة ترامب، ستميل إلى احترام سيادة الدول وتركها تدير شؤونها الداخلية، بعيدًا عن فرض الأجندات والتدخلات المباشرة. فقد أبدى في فترة رئاسته السابقة تفضيلًا لترك الأزمات الداخلية لدول المنطقة بقدر الإمكان، معتمدًا على فرض الحلول الاقتصادية والسياسية بدلًا من التدخلات العسكرية. ويبدو أن العودة ستشهد اهتمامًا متزايدًا بسياسات أكثر عقلانية تركز على الأمن والاستقرار، بدلًا من إثارة الفوضى.

ختامًا

يأتي ترامب اليوم حاملًا رؤية سياسية ربما اكتسبت عمقًا مع تجربته الرئاسية السابقة، ورغبة في ترك إرث مؤثر يجعل منه رئيسًا له بصمة في التاريخ الأمريكي والعالمي. وفي ظل تعقيدات المنطقة وأزماتها المتعددة، قد يحقق ترامب الاستقرار في قضايا فلسطين، لبنان، وسوريا، عبر الالتزام بمسار سياسي يحترم خصوصية الشعوب ويتجنب فرض الحلول الخارجية، فيجعل من عودته إلى البيت الأبيض خطوة نحو السلام الحقيقي الذي يتطلع إليه العالم.

 

وفي ظل عودة ترامب، تتجه الأنظار إلى مستقبل منطقة أثقلتها الحروب وأرهقتها التوترات. تتصاعد آمال متباينة بأن تكون لهذه العودة تأثيرات قد تُعيد بعض الاستقرار، خاصة فيما يتعلق بالعدوان المستمر على غزة ولبنان، فهل تكون إدارة ترامب الجديدة قادرة على فرض تهدئة تعطي شعوب المنطقة فرصة لالتقاط أنفاسها؟

 

 

رغم ذلك، يبقى التفاؤل مشوبًا بالحذر؛ فالتاريخ يؤكد أن العهود المتجددة قد تحمل مفاجآت لا يُمكن التنبؤ بتداعياتها كاملة. ولكن، ومع آمال متجددة في توقف الحروب وتخفيف وطأة الصراعات، تظل الشعوب متطلعة لأفق جديد لا تكون فيه لغة النار والقصف هي السائدة، بل رؤية تسعى إلى السلام وإنهاء مسلسل الدم والمعاناة. وبين الأمل والشك، يبقى السؤال: هل تتحقق الوعود هذه المرة، أم أن المنطقة ستظل أسيرة لمعادلات الصراع المستمرة؟

الجريدة الرسمية