هل نحن على شفا حرب عالمية ثالثة؟
في الأول من سبتمبر، ستُحيي البشرية ذكرى مرور 85 عامًا على اندلاع الحرب العالمية الثانية، تلك الحرب التي كانت بمثابة الزلزال الذي هز أركان العالم، وأعاد رسم خريطة القوى والنفوذ، وغيّر مصائر الأمم والشعوب.
إنها ليست مجرد ذكرى تاريخية؛ بل هي محطة للتأمل في دروس الماضي التي لا تزال حية في حاضرنا، ولعل أبرزها هو أن السلام لا يتحقق إلا عبر القوة الحقيقية والعدالة، وأن تجاهل الظلم والطغيان يؤدي حتمًا إلى كوارث لا حصر لها.
في تأملاتنا حول الحرب العالمية الثانية ومقارنتها بالوضع الراهن، نجد أن التاريخ كثيرًا ما يعيد نفسه وإن بطرق مختلفة، الحرب العالمية الثانية اندلعت بسبب اجتياح ألمانيا النازية لبولندا، ما أدى إلى سلسلة من الردود العسكرية المتلاحقة، وتحول هذا النزاع المحلي إلى صراع عالمي أودى بحياة ملايين البشر وأعاد رسم خارطة العالم.
اليوم، ونحن نواجه تصاعدًا في التوترات الدولية، يمكننا أن نرى بعض أوجه التشابه، ولكن أيضًا اختلافات جوهرية، العدوان الصهيوني المستمر على غزة، والتوترات المتزايدة في جبهات متعددة مثل لبنان، العراق، اليمن، وسوريا، بالإضافة إلى التصعيد المستمر بين روسيا وأوكرانيا، كلها عوامل تثير القلق بشأن إمكانية نشوب صراع أوسع نطاقًا.
العوامل التي تدعم الاحتمالية
هناك عدة عوامل ومؤشرات يجب النظر فيها عند تحليل احتمالية اندلاع حرب عالمية ثالثة، يأتي في مقدمها التدخلات العسكرية المعقدة؛ حيث الصراع في أوكرانيا، الذي يشهد مشاركة مباشرة لدول أوروبية كبرى (الناتو)، يعكس تصاعد الاستقطاب بين القوى الكبرى، هذا الوضع يشبه إلى حد كبير التوازنات الهشة قبل الحرب العالمية الثانية، حيث كانت التحالفات العسكرية تُبنى استعدادًا لمواجهة شاملة.
العامل التالي والمتمثل في انتشار النزاعات الإقليمية؛ حيث الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، قد تمتد بسهولة لتشمل دولًا إقليمية أخرى مثل لبنان واليمن وإيران وربما العراق، هذه الدول ليست فقط قوى إقليمية بل لها أيضًا روابط تحالف مع قوى عالمية مثل روسيا والصين، ما يمكن أن يحوّل النزاع الإقليمي إلى صراع دولي.
أما العامل الثالث فيرجع إلى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، فكما هو معلوم فإن الحرب العالمية الثانية جاءت بعد أزمة اقتصادية كبرى ضربت العالم (الكساد الكبير)، واليوم نحن نشهد أزمات اقتصادية مستفحلة بسبب جائحة كوفيد-19، وارتفاع الأسعار، وتزايد الفقر وعدم الاستقرار الاجتماعي، وهي عوامل يمكن أن تسهم في تأجيج النزاعات.
العامل الرابع يتأتى من سباق التسلح والتكنولوجيا العسكرية؛ فالتطور السريع في التكنولوجيا العسكرية، بما في ذلك الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية والتقنيات السيبرانية، يزيد من خطر وقوع حروب مدمرة، قد تكون عواقبها أشد فتكًا من أي حرب سابقة.
كذلك يأتي الفشل الدبلوماسي وضعف بل وتفكك المؤسسات الدولية كأحد العوامل التي تدعم احتمالية اندلاع الحرب العالمية الثالثة، حيث أن الأمم المتحدة، التي أنشئت للحفاظ على السلام العالمي، تجد نفسها اليوم عاجزة عن حل النزاعات الكبرى. هذا الضعف في المؤسسات الدولية يزيد من احتمالية اندلاع صراع كبير.
مع ذلك، هناك أيضًا اختلافات كبيرة، تتمثل بداية في الوعي الجماعي العالمي بمخاطر الحروب النووية والتدمير الشامل والذي أصبح أعلى اليوم بكثير مما كان عليه في الثلاثينيات والأربعينيات. كما أن الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الدول يشكل عائقًا كبيرًا أمام الانزلاق نحو حرب عالمية شاملة.
السؤال الكبير هو: هل ستكون هذه العوامل كافية لردع القوى الكبرى عن الانخراط في صراع شامل؟ أم أن تصاعد التوترات الحالية قد يؤدي إلى سيناريو مشابه للحرب العالمية الثانية، حيث قد تؤدي سلسلة من الأحداث المحلية إلى انفجار عالمي؟
إجابات هذه الأسئلة تعتمد بشكل كبير على كيفية تطور الأحداث في الأشهر والسنوات المقبلة، وعلى قدرة الدبلوماسية الدولية في نزع فتيل الأزمات المتصاعدة.