ساخرون، حكاوي زمان.. أنيس منصور يتحدث عن فشخرة الفقراء وتواضع الأغنياء
في كتابه (معنى الكلام) الذى أصدرته مكتبة الأسرة، كتب الكاتب الصحفى أنيس منصور مقالا عن الغنى والفقر في السلوك وطريقة المعيشة قال فيه:
لا شيء يدل على أن الرجل الذى جلس إلى جوارى مليونير، آسف مليونير ألف مرة، ولكن ما الذى يدل على أنه يملك أى شيء أكثر مما أملك أنا.. لا البدلة ولا الساعة ولا الولاعة ولا السيجارة.. بل إن كل شيء يدل على أنه يعمل سائقا عند واحد ليس من الضرورى أن يكون مليونيرا، إنه رجل بسيط عادي.
فالبدلة مكسرة.. بدلتى أحسن، والساعة بجلدة سوداء.. ساعتى أفضل، والجزمة متآكلة جدا.. وحذائى أمتن، ثم إنه كثير الابتسام ومجامل، وهو الذى قام وقدم لى كوبا من الماء، وهو الذى قدم نفسه لى قائلا: أنا فلان، والتى تجلس هناك هى زوجتي، وقدمت له نفسى قلت له أنا صحفي..
ونهض الرجل وبمنتهى الحفاوة أنحنى وصافحنى، مع أن إسمى وعملى ومركزى لا يمكن أن يكون لهم أى دلالة عنده.. لكنه كرجل أعمال مجامل، وكرجل أعمال ناجح جدا مجامل جدا، ولأننى رجل أقوال، فلست مجاملا.
ولا بد أنى تصورت كغيرى من الناس أن الإنسان الغنى جدا لابد أن يكون مظهره كذلك.. البدلة لا تهم، فلا أقل من خاتم ثمنه عشرات الألوف حتى لو وضع هذا الخاتم فى إصبعه فهناك ملايين مثله من الأغنياء قد فعلوا ذلك.
لكن الفقراء أمثالنا هم الذين يشعرون بأنهم فقراء فهم يكرهون أن يعرف الناس هذه الحقيقة.. لذلك فهم يضعون كل ما يملكون فى أصابعهم وفى أعناقهم وفى جيوبهم، ليتأكد لديهم أولا أنهم ليسوا فقراء، وليرى الناس أنهم قادرون على شراء الخاتم الماس أو الولاعة الذهبية والكرافتة والسيارة المرسيدس… إلخ.
لكن الأغنياء جدا عندهم قناعة، وعندهم يأس أنهم لا يستطيعون أن يحملوا كل ثرواتهم في جيوبهم أو في أصابعهم أو في صدورهم، وهذا اليأس مع البساطة قد جعلهم هكذا لا شيء يميزهم عن بقية مئات الملايين من الناس الذين لا يملكون الملايين.
وبدلا من أن ينفق أصحاب الملايين جانبا من أموالهم على المظهرية ولفت نظر الناس إليهم وإلى ثرواتهم، فإن قناعتهم وبساطتهم قد وفرتا لهم هذه المبالغ.. بينما الفقراء ينفقون المال الذى يحتاجونه على المظهرية حتى لو بطنه خاوية ويتألم من الجوع.