هيكل.. الجورنالجي الذي لم يتكرر!
نعيش هذه الأيام ذكرى ميلاد واحد من أبرز رواد الصحافة والسياسة ليس في العالم العربي وحده بل في العالم كله؛ وهو الجورنالجي الكبير محمد حسنين هيكل، نجم الصحافة العربية الأول، ولا أبالغ إذا قلت إنه أكثر الصحفيين تأثيرًا في مجريات السياسة وصناعة الخبر في زمانه..
فهيكل كان مقربًا ومستشارًا للزعيم جمال عبد الناصر الذي كان يعتمد عليه كمصدر للمعلومات وربما كوسيط مع فرقاء السياسة وخصومه السياسيين، ومن ثم فمن الصعب أن ننسى مآثره المهنية وتأثيره الكبير في الصحافة والسياسة معًا.
لم يكن محمد حسنين هيكل مجرد رئيس تحرير لعدد من الصحف والمجلات أبرزها بالطبع الأهرام وآخر ساعة، بل كان فوق كل هذا كاتبًا صحفيًا من طراز فريد، فالقلم يتدفق في يديه سلاسل من ذهب. قلمه يتدفق رشاقة وقوة وله جمهور ومحبون كثر..
وقد كنت في مطلع شبابي واحدًا من عشاقه، وكنت أحرص بانتظام على قراءة مقالته الأسبوعية في أهرام الجمعة بشغف كبير، يدفعنى لتحمل مشقة الانتقال 6 كيلو مترات من قريتى بيشة قايد إلى مركز الزقازيق بالشرقية لأشترى صحيفة الأهرام..
لأستمتع بقراءة مقالته "بصراحة" التي كانت لونًا صحفيًا متفردًا تشمل الخبر والتحقيق والتحليل والرأي بلغة سهلة رشيقة وعبارات بليغة كنت أحرص على قراءتها المرة تلو الأخرى استمتاعًا بها ورغبة في التعلم من حرفيتها العالية..
ولا أبالغ إن قلت أيضًا إن محمد حسنين هيكل كان أحد أهم أسباب حبى لصاحبة الجلالة وإصراري على دراستها في كلية إعلام القاهرة، ثم العمل في بلاطها والتدرج في مناصبها محررًا ثم رئيسًا للتحرير ثم رئيسًا لمجلس إدارة مؤسسة دار التحرير(الجمهورية).
محمد حسنين هيكل؛ شاء من شاء وأبى من أبى، أهم صحفي عربي في القرن العشرين وما بعده، وسيظل ركنًا ركينًا في تاريخ الصحافة، فقد كان ذا رؤية وقدرة نافذة على الوصول للقادة والزعماء التاريخيين أمثال نهرو وغيره..
فقد نجح باقتدار في إدارة حوارات صحفية معهم حتى بعد تركه لمناصبه الصحفية، تمامًا كما كان ينفرد بتحقيقات وحوارات صحفية غير مسبوقة منذ كان محررًا صحفيًا عاصر الحروب العالمية وتجشم مخاطر تغطيتها، ومن هؤلاء الزعماء من كان يطلب الحوار مع هيكل!
محمد حسنين هيكل تاريخٌ كبيرٌ ودرس بليغ لمن أراد أن يمتهن الصحافة في زمن يزوى فيه نجمها، لكن مجرد استذكار سيرته ومسيرته وكتبه ومؤلفاته ومقالاته ومواقفه وجرأته وقوته يضعك في قلب المهنة بعراقتها ومجدها.. أتذكر عندما كنت في زيارة للنمسا.. سألت نمساويين ماذا تعرفون عن مصر قالوا الأهرامات.. وكاتب كبير هو هيكل!
والسؤال أخيرا.. هل يتكرر محمد حسنين هيكل ومصطفى وعلى أمين والحمامصي وأحمد بهاء الدين وموسى صبري وأحمد رجب وأنيس منصور وصلاح منتصر وفاروق جويدة ومحسن محمد.. ومكرم محمد أحمد وإحسان عبدالقدوس ومصطفى شردي وجمال بدوى.. والإجابة طبعآ لا.. والواقع يؤكد ذلك.