رئيس التحرير
عصام كامل

هل هذا هو التدين الحق؟!

المصريون أكثر أهل الأرض تدينًا، مقولة شاعت وانتشرت لكن السؤال: أي تدين هذا بينما حالنا لا يسر عدوًا ولا حبيبًا؟ فالفهلوة والتواكل والخرافة والدخل والكسل والواسطة والمحسوبية والغيبة والنميمة وازدواجية المعايير كلها آفات منتشرة، حتى الذين أفلتوا من تلك الآفات وسلموا من تلك العيوب واهتموا بالتعليم والثقافة وقعوا في آفات أخرى لا تقل خطورة عن سابقاتها.. 

فالتعليم صار مجرد شهادات يسعى البعض للحصول عليها أملًا في وظيفة أو مركز مرموق ليس حبًا في العلم ولا رغبة في تطوير الحياة وتحسين السلوك.. تعلمنا لكن هل صار سلوكنا سلوك المتعلمين؟ هل حافظنا على نظافة الشوارع والأمانة وحسن الخلق ومواصلة العمل لنهضة الأوطان وقوتها؟ هل تقدمت أوطاننا رغم ملايين المتعلمين والآلاف المؤلفة من شهادات الماجستير والدكتوراة التي تكدست بها مكتبات الكليات والجامعات؟!


نعم.. نحن شعب متدين بطبعه؛ نصلي ونصوم ونزكي ونحج ونعتمر مرات ومرات، نبكي ونستغفر ولا تغادر المسابح أيدينا، لكن هل هذا هو التدين الذي تنصلح به حياتنا التي صارت صعبة في السلوك والمعاملات؟ 

 

وإذا كنا مجتمع الفضيلة فمن أين نبت التاجر المحتكر الغشاش والطالب الغشاش والطبيب الذي اتخذ مهنته وسيلة لجمع الأموال على حساب المرضى والموجوعين دون مراعاة لظروف فقير لا يملك ثمن قوته فما بالك بثمن التحاليل والكشف والأشعة والدواء الذي صار ناقصًا أكثر مما هو متاح؟ وبما إننا فهمنا التدين فقط في أداء هذه الفروض والشعائر الشكلية فهل نحن فعلًا شعب متدين؟


وإذا كان بعضنا يعتقد ذلك وهو بالطبع واهم.. فكيف نقرأ قول النبي الكريم: "الدين المعاملة"؟ وإذا أردنا أن نستكمل هذا المشهد الذي ينطوى على ازدواجية ممقوتة، وأن نرى بعين الصدق والأمانة ما نحن فيه من خلل وتراجع وزيف فهل نحرص على النظافة وإتقان العمل وحفظ حقوق الجار وحقوق الطريق والتعاون علي البر وعدم الاستهزاء بالآخرين وتفريج كرب المكروبين وحماية الضعيف وحفظ الأمانات؟!

 

إذا قسنا التدين وفقًا لتحقق تلك المعايير.. فهل ما زلت ترى أننا  شعب متدين.. طبعا التعميم خطأ جسيم في مسائل نسبية؛ فمن من حسنت عبادته وحسن خلقه وجمع بين تعظيم شعائر الله وحسن المعاملات.. فليس كلنا علي حالة واحدة وإن كثرت، ودائمًا ما الصواب مع القلة والنجاة للفئة القليلة..

 

 

وإذا أردت دليلًا على صدق ما أقول فاقرأ إن شئت قول الله تعالى: "وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ"، وقوله تعالى:" إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ"، أما الكثرة المذمومة ففي قوله تعالى: ( أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إنْ هُمْ إلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ) (الفرقان:44).. (وَإن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ) (الأنعام: 116).. فهل ما زلت على قناعتك أن التدين الشكلى هو غاية المراد من رب العباد؟!

الجريدة الرسمية