رئيس التحرير
عصام كامل

بين المولد والهجرة دروس أغفلناها!

في مثل هذا اليوم بالتقويم الميلادي حدثت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وعدّ حدث الهجرة النبوية بداية السنة الهجرية.. وبعد أيام تحتفل الأمة العربية والإسلامية بذكرى ميلاد المصطفى الكريم الذي ولد في الثاني عشر من ربيع الأول من عام الفيل، قبل ثلاث وخمسين سنة من الهجرة، الموافق لسنة 570 ميلاديًا.


وفي الحدثين الكبيرين؛ المولد النبوي الشريف والهجرة النبوية المباركة دروس وعبر لا تنسى.. فما أحوج أمتنا لاستلهام أخلاق النبي الكريم الذي شكل علامة فارقة في تاريخ البشرية بشهادة المنصفين من مفكري الغرب أنفسهم، كما تشكل الهجرة حدثًا فارقًا في نشر رسالة الإسلام التي جاءت رحمة للعالمين أجمعين.


فهل استحضرنا جوانب العظمة الشاملة للنبي الكريم التي جمعت بين الدين والدنيا، فلم تكن دعوته إغراقًا في الرهبنة ومخاصمة العصر ولا مغالاة في المادية وطلب مصالح الحياة، بل كانت دعوة وسطًا؛ "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا".. يقول نبينا الكريم: "أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".


جوهر الرسالة اعتدال ووسطية وسعى دءوب لمرضاة الله وعمارة الدنيا، ولنا أن نفخر بعظمة هذا النبى الذي شهد له الخصوم قبل الأتباع.. يقول المستشرق "سنرستن الآسوجي" أستاذ اللغات الساميّة:

"إننا لم ننصف محمدًا إذا أنكرنا ما هو عليه من عظيم الصفات وحميد المزايا، فلقد خاض محمد معركة الحياة الصحيحة في وجه الجهل والهمجية، مصرًا على مبدئه، وما زال يحارب الطغاة حتى انتهى به المطاف إلى النصر المبين، فأصبحت شريعته أكمل الشرائع، وهو فوق عظماء التاريخ".

 

ويقول مايكل هارت: "إن اختياري محمدًا، ليكون الأول في أهم وأعظم رجال التاريخ، قد يدهش القراء، ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين: الديني والدنيوي. فهناك رُسل وأنبياء وحكماء بدءوا رسالات عظيمة، ولكنهم ماتوا دون إتمامها، كالمسيح في المسيحية، أو شاركهم فيها غيرهم، أو سبقهم إليهم سواهم، كموسى في اليهودية.. 

ولكن محمدًا هو الوحيد الذي أتم رسالته الدينية، وتحددت أحكامها، وآمنت بها شعوب بأسرها في حياته. ولأنه أقام جانب الدين دولة جديدة، فإنه في هذا المجال الدنيوي أيضًا، وحّد القبائل في شعـب، والشعوب في أمة، ووضع لها كل أسس حياتها، ورسم أمور دنياها، ووضعها في موضع الانطلاق إلى العالم. 

أيضًا في حياته، فهو الذي بدأ الرسالة الدينية والدنيوية، وأتمها"..كمال الرسالة أكده القرآن الكريم بقوله:" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3].


ومن الإنصاف أن نقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعاد للعالم توازنه وحرره من قيود الجهالة وظلمات الوهم، وجبروت القوة.. وبحيث أصبح بنو الإنسانية كلهم -كما يقول شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب- مدينين لنبي الإسلام بالكثير الذي أنار لهم الطريق في منعطفاتها المظلمة، وحتى الإنسان الغربي يظل مدينًا، بل مثقلا بجميل لا حدود له، للحضارة العالمية التي أرسى دعائمها هذا النبي الكريم، وهو يؤصِّل لمعانى الرحمة والعدل والتعاون بين الناس، والكف عن العنف والإيذاء، وترويع الآخر أيا كان هذا الآخر..

 

 

هذه صفات وأفضال نبينا على الدنيا فهل نستحضرها في حياتنا لنعيد الوجه المشرق للرسالة العالمية التي أغفلناها وغفلنا عنها، ولم نطبق جوهرها وروحها التي طبقها الغرب، بدرجة أدهشت الإمام محمد عبده الذي قال: “وجدت في الغرب إسلامًا بلا مسلمين، وفي الشرق مسلمين بلا إسلام”!

الجريدة الرسمية