رئيس التحرير
عصام كامل

علّموهم كيف يكونون سعداء لا أغنياء!

هل يعرف أغنياؤنا أنه ما جاع فقير إلا ببخل غني، وهل يدركون أن الله استخلفهم على أموالهم ليؤدوا الحق المعلوم فيها؛ للسائل والمحروم؟! أكثر الأغنياء في بلادنا ينفقون على ملذاتهم بلا حساب، حتى أن الواحد منهم قد ينفق ملايين الجنيهات على ليلة عرس بينما يضن على مرضى السرطان والكبد والأورام من الفقراء الذين لا يجدون علاجًا بعد تسارع وتيرة الغلاء..

ثم هل يؤمن هؤلاء الأغنياء بأن للمال دورًا اجتماعي يحفظ للمجتمع توازنه ويحميه من الضغائن وأمراض الحقد والحسد.. فما جدوى أن تكون غنيًا في مجتمع أغلبه فقراء.. ألا يرون ما يفعل أغنى الأغنياء في الغرب الذين يزهدون في الترف واللذات؛ ويدركون أن للمال وظيفة اجتماعية فيتبرعون للفقراء وذوي الحاجة وطلبة العلم بأموال كثيرة، وربما تبرع بعضهم بثروته كلها، أو أكثرها أو جلها في حياته وأوقفها على جلب المنافع للمحتاجين.. 

فوفقًا لتقديرات مجلة فوربس، تبرع أكبر 25 مانحًا للأعمال الخيرية في أمريكا بمبلغ 196 مليار دولار على مدار حياتهم حتى نهاية عام 2022، مقارنة مع 169 مليار دولار في العام السابق.. وتصدر وارن بافت قائمة أكثر المليارديرات تبرعًا للأعمال الخيرية بعدما تبرع بمبلغ 5.4 مليار دولار في عام 2022، و51.5 مليار دولار على مدار حياته. كما تبرع سيرجي برين أحد مؤسسي جوجل، والملياردير كيفن جريفين بمبلغ 2.55 مليار دولار و1.56 مليار دولار على الترتيب.


أما أكثر ما لفت نظري هو عمق الفهم والرقي في نظرة هؤلاء الأغنياء للحياة؛ فمثلًا الملياردير ستيف جوبز، أحد أقطاب الأعمال في الولايات المتحدة، ورئيس مجلس إدارة شركة آبل الذي توفي عن عمر يناهز 56 عامًا بعد معاناة مع سرطان البنكرياس، وقد خلَّف ثروة قدرها 7 مليارات دولار..

ومن رحم معاناته مع المرض جاءت كلماته عميقة تجسد رؤية نافذة لفلسفة الحياة والمرض والموت والنهايات المحتومة التي هي آتية لا ريب، مهما تهربنا منها يقول جوبز:
 

“حياتي هي جوهر النجاح، لكنني ليس لدي فرحٌ كبيرٌ بما أملكه.. في النهاية الثروة أصبحت مجرد رقم أو شيء من الأشياء التي اعتدت عليها...في هذه اللحظة، وأنا مستلقٍ على سريري، مريض أستعيد شريط حياتي، أدرك أن كل سمعتي والثروة التي أمتلكها لا معنى لها في وجه الموت الوشيك”.


يضيف "إنه يمكنك استئجار شخص ما لقيادة سيارتك، أو خادم لقضاء أغراضك، أو توظيف قياديين لإدارة أعمالك وكسب المزيد من المال والشهرة؛ ولكن - وبالتأكيد- لا يمكنك استئجار شخص ما، وبأي ثمن، لحمل الألم أو المرض نيابة عنك..يمكن للمرء أن يقتني أشياء مادية كما يحب، ولكن هناك شيئًا واحدًا لا يمكن العثور عليه عند فقده هو الحياة..


وسواءً كنا نقود سيارة بقيمة 150.000 دولار أو 15000 دولار؛ الطريق والمسافة التي تُقطع متساوية، وسنصل في النهاية إلى الوجهة نفسها.. إذا كان المنزل الذي نعيش فيه هو 300 متر مربع، أو 3000 متر مربع؛ الوحدة هي نفسها ؛ ولن تتحرك أو تنام على مساحة أكثر من بضعة أمتار".


ثم يصل بنا جوبز إلى حقيقة يتغافل عنها كثير من الناس؛ وهي أن سعادتك الداخلية الحقيقية لا تأتي من الأشياء المادية التي تملكها، سواء كنت تسافر في الدرجة الأولى، أو الدرجة الاقتصادية، إذا تحطمت الطائرة، تحطم معها الجميع.. وهذا درس بليغ لكل غني بخيل؛ فماذا تصنع أموالك في مجتمع بائس لا يعرف للسعادة سبيلًا..

  
يقول جوبز: “لذا، آمل أن تفهم أنه عندما يكون لديك هدف سامٍ في الحياة، ويكون لك مآثر أسعدت بها الغير، فهذه هي السعادة الحقيقية”! ثم يضع أيدينا على حقائق ساطعة فيقول: "بدلًا من أن تعلم أطفالك أن يكونوا أغنياء؛ علمهم أن يكونوا سعداء؛ فعندما يكبرون سيعرفون قيمة الأشياء، وليس تكلفة الأشياء. 

تناول طعامك كدواء، وإلا ستحتاج إلى تناول الدواء كغذاء. اترك مالك في الشمس؛ واجلس في الظل؛ ولا تقصِّر على نفسك وعلى من حولك؛ فالمال جُعِلَ لنحيا به لا لنحيا من أجله، أحب الناس الذين أرسلهم لك الله، وأحسن إليهم، يومًا ما سيحتاج بعضكم إلى بعض".

 


وإذا كنت تريد أن تعيش ثريًا اذهب وحيدًا، أما إذا كنت تريد أن تعيش سعيدًا، فاذهب مع الآخرين!صدقوني.. أعلى مراتب الرضا أن ترى فرحة في عين فقير أو محتاج أو مكروب فرّجت عنه كربة أو ضائقة فذلك أحب إلى الله من تكرار الحج والعمرة مع الإصرار على ارتكاب الذنوب والمعاصي طوال العام!

الجريدة الرسمية