رئيس التحرير
عصام كامل

نعيب زماننا!

كثيرًا ما راودنى سؤالٌ محيرٌ وهو: هل شخصية الإنسان قدر لا فكاك منه أم أنها قابلة للتغيير في أي عمر أو أي مرحلة سِنيّة؟! هل يمكن للطباع أن تتغير للأفضل أم أن تركيبة النفس البشرية أكثر تعقيدًا مما يتراءى لنا؟!


وقد وجدت عند المفكر الكبير الدكتور مصطفى محمود إجابةً اطمأنت بها نفسي وارتاح لها عقلي؛ حيث قال ببساطة: أنا لست من الذين يعتقدون بأن شخصية الإنسان قدر لا مفر منه.. أنا أعتقد بأن الإنسان قادر في كل سن وفي كل وقت أن يطور شخصيته ويسمو بها ويحارب ما فيها من ضعف.


أعتقد أن الإنسان يستطيع أن يكون سيد نفسه. وأؤمن بأن الإرادة يمكن تربيتها واكتسابها بالكفاح والمجاهدة مع النفس. وأن الإنسان ليس عاجزًا أمام أهوائه. وكل ما تحتاج إليه.. لحظة ثورة.


وما ينطبق على الأفراد ينطبق على الشعوب والدول، وما قول أبي القاسم الشابي الشاعر التونسي الراحل الذي فارق الدنيا في ريعان شبابه بنفس وثابة وإرادة فولاذية وعقل متوهج وخيال خصب ورؤية نافذة.. ما قوله عنا ببعيد؛ فقد لخص الحكاية ببيت سيظل خالدًا في ذاكرة الإنسانية يقول:
إذا الشعب يومًا أراد الحياة...  فلابد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي        ..    ولابد للقيد أن ينكسر


فهل نحن أردنا الحياة حتى يستجيب القدر؟! والإجابة وجدتها عند الشاعر السوري الراحل محمد الماغوط في (نص العصفور) يقول: ثم لجأنا الى التاريخ نستجوبه، وإلى الأحداث نستقرئها:


معظم الأمم كانت جائعة فشبعت.. جاهلة فتعلمت.. مستعبدة فتحررت.. مضطربة فاستقرت.. متوحشة فتمدنت.. إلا نحن العرب: فقد كنا متخمين فجُعنا.. متعلمين فتخلفنا.. مستقرين فتشردنا.. أحرارًا فاستُعبدنا.. متطورين فتحجرنا.. متمدنين فتوحشنا. 


لماذا؟ ماذا ينقصنا لنكون مثل بقية الأمم والشعوب على ظهر هذا الكوكب العجيب؟ أدب؟ عندنا أدب.. موسيقى؟ عندنا موسيقى.. فكر؟ عندنا فكر.. ثروة: عندنا ثروات لا تأكلها النيران.. إيمان! كل الأديان هبطت عندنا.. علم! كل العلوم خرجت من عندنا ولم تعد.. شعب! عندنا شعوب. 
 

ومع ذلك، كلما حاولنا النهوض كبونا، أو الوحدة تفرَّقنا.. لأننا كنا دائمًا نتمسك بالقشور على حساب اللب.. وبالشكل على حساب المضمون، وبالفروع على حساب الأصول.


الأدب مهم في حياة كل أمة ولكن أهم من الأدب هو الذي يكتب.. وأهم من الموسيقى هو الذي يعزف.. وأهم من الآلة، هو الذي يديرها.. وأهم من الطائرة، هو الذي يقودها.. وأهم من الشجرة، هو الذي يزرعها.. ومن البندقية، هو الذي يحملها.


فمن هو يا ترى الذي يكتب ويعزف ويطير ويهبط ويزرع ويصنع ويقاتل؟ إنه الانسان أيها الإخوة المواطنون. فهل نال هذا الإنسان المسكين حقوقه ليؤدي واجباته؟ هل أحس ولو للحظة بوجوده وكيانه وكينونته؟ أبدًا.

 


انتهى كلام الماغوط لكن بقي السؤال: هل ما تعانيه أمتنا العربية من تشرذم وتخلف هو قدر لا فكاك منه، أم أنها في حاجة ليقظة تعيدها لخريطة العالم قبل أن تصبح شيئًا من التاريخ والعدم؟!

الجريدة الرسمية