أسئلة على هامش الدعم!
عاد الحديث من جديد عن الدعم وهل الأفضل أن يكون عينيًا أم نقديًا؟! الحكومة على لسان رئيسها في مؤتمر صحفي قبل أسبوع تفضل الذهاب للدعم النقدي، وترى أنه السبيل الأمثل للتعامل مع ملف حساس بهذه الخطورة، لكنها تتحين الفرصة لانتزاع تأييد مجتمعي لهذا الاتجاه عبر إجراء حوار وطني جاد، لوضع تصور لكيفية التحول إلى الدعم النقدي، وترى أن الهدف هو استفادة المواطن طبقا لاحتياجاته وأولوياته.
ولمن لا يعلم فإن إجمالي الدعم يبلغ في موازنة العام المالي الحالي، نحو 529.7 مليار جنيه (11.2 مليار دولار)، فيما يسجل في موازنة العام المالي المقبل، نحو 635.9 مليار جنيه (13.5 مليار دولار) يستأثر دعم الخبز وحده كما قال رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب فخري الفقي لإحدى الفضائيات بنحو 98 مليار جنيه، وتعد مصر الأكثر استيرادًا للقمح في العالم.
فخري الفقي قال إن هذا الأمر-أي الدعم النقدي- يناقش في الحوار الوطني الآن، وسوف تحصل الأسرة المكونة من 4 أفراد على 800 جنيه شهريا حال التحول للدعم النقدي أي 200 جنيه للفرد..
الحديث عن رغبة الحكومة في التحول للدعم النقدي ليس أمرًا جديدًا، فقد سبقت حكومات أخرى قبل حكومة مدبولي بالحديث عن ذلك الملف، الذي يبدو أنه شائك ومعقد بصورة تجعل اتخاذ القرار فيه ليس شأنًا حكوميًا صرفيًا بقدر ما هو أمر مجتمعي، يحتاج لتوافق ورؤية واضحة ومعايير منضبطة للتطبيق حتى لا يظلم منه أحد..
لا أقول الفقراء فقط بل محدودي الدخل الذين يتسارع دخولهم بفعل موجات التضخم غير المسبوق إلى دائرة الفقر، بعد تحريك الحكومة لأسعار الوقود والخبز والمواصلات بين الحين والآخر دون أن يلوح في الأفق إجابة عن سؤال جوهري: متى يتوقف ارتفاع الأسعار؟ وهل تتناسب تلك الارتفاعات مع معدلات زيادة الدخل؟
وهل يمكن الاطمئنان لوجود دعم نقدي لم تتحدد معاييره بعد بصورة واضحة، على أن شريحة لا يستهان بها ممن يتلقون دعمًا للخبز والوقود لن تضار بفضل هذا الدعم النقدي، خصوصًا أن أكثر من 60 مليون شخص يحصلون على سلع أساسية مثل المكرونة والزيوت النباتية والسكر بأسعار مخفضة من منافذ بيع تديرها الدولة، ويستفيد 10 ملايين شخص آخرين على الأقل من الخبز المدعوم؟
وهل حكومة مدبولى التي اعتادت رفع الأسعار والتركيز على جيب المواطن لا هدف لها من وراء هذا الاتجاه إلا ضمان حصول المواطن على حقه، أم أنها أرادت أن تنفض يدها من كل ما له علاقة بدعم المواطن، دون أن تقدم بديلًا قويًا بزيادة الإنتاج ليستمر الدعم عينيًا تجنبًا لانفلات زمام التضخم ليصبح معه أي دعم نقدي لا يجدي فتيلًا؟!
صحيح أن فكرة تحويل الدعم العيني إلى نقدي تطبقها دول عديدة، لكن من يضمن الالتزام عندنا بالمعايير الناجحة التي طبقتها تلك الدول؛ خصوصًا وأن تجاربنا مع اقتصاد السوق لا علاقة لها من قريب أو بعيد بما تطبقه أعتى الدول الرأسمالية من رقابة مشددة وتطبيق حاسم للقانون ضد المحتكرين والمتلاعبين والغشاشين..
حتى بات جهاز حماية المستهلك والرقابة اسم بلا معنى حقيقي يشعر به المواطن في حياته؛ بدليل أنك تجد للسلعة الواحدة أكثر من سعر في الشارع الواحد بل وفي اليوم الواحد..
فهل تضمن الحكومة إقرار معايير عادلة لمن يستحقون الدعم فعليًا من الطبقة الوسطى، التي انحدر أغلبها بسرعة رهيبة إلى أسفل الطبقات واقتربت إن لم تكن تخطت بالفعل خطوط الفقر المتعارف عليها عالميًأ؟!
الحوار الوطنى مطلوب بشدة في هذه المرحلة وفي ملف الدعم تحديدًا لكن الأهم هو استطلاع رأي المواطن في كل مدينة وقرية وحارة وشارع، وقبل هذا لابد من وضع بنية معلوماتية قوية لتحديد الفئات الأولى بالتكافل والدعم..
وتلك فريضة لا يصح التغافل عنها لتحقيق التوافق المطلوب بشأن هذا الدعم الذي تعتبره الحكومة عبئًا تتمنى الخلاص الكامل منه، بل لعلها تخطط لذلك وتسعى إليه تدريجيًا.. والسؤال: هل ستنتهي مشاكلنا الاقتصادية فور التخلص من الدعم بينما ما زال نمطنا الاقتصادي يراوح مكانه دون تحقيق طفرة في الإنتاج والصادرات؟!
صدقوني.. مع زيادات الأسعار المستمرة في السلع والخدمات.. لم يعد أي دعم عيني أو نقدي أو غيره يكفي.. الرحمة يا حكومة!