أقصر طريق لبناء الوعي والأمل!
ما زلت على قناعة بأن أقصر الطرق لبناء شخصية واعية ناضجة هو بتقديم تعليم جيد وفن هادف وثقافة تشتبك مع الواقع لتغييره للأفضل.. ما نحتاجه الآن هو دراما جادة تشيع روح الأمل وتقدم حلولا ناجحة لهموم المواطن وتعيد الاحترام لقيم كادت تندثر مثل توقير الكبير والرحمة بالصغير..
نحتاج دراما لا تتجرأ على المحارم ولا تروج للفسق.. دراما تعيد لنا الريادة والإبداع والالتزام بالأخلاق المصرية الحميدة وحب العمل والتفاؤل والتمسك بالأمل ولفظ الشائعات وتجار الأزمات.. نريد فنًا يضاهي الزمن الجميل يبنى الحلم والمستقبل!
لا شك أن الفن الهادف سيخلق جمهوره المتعطش لروائع الزمن الجميل؛ مثل هذا الفن الراقي يملك قدره هائلة على التوصيل والتأثير في كل فئات المجتمع وطبقاته يقول عنه شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب إنه أحد الأدوات المهمة في علاج شوائب كثيرة في ميزان الشرع الحنيف، ذلك أن الأزهر الشريف يدعم ويشجع الفن الهادف الذي يبني ولا يهدم ويحمل رسالة للارتقاء بالمجتمع وتغيير الواقع السيئ إلى واقع أفضل.
الفن الرفيع سيبقى سلطان القلوب في ظل ما نعيشه من تراجع المقروئية في عالمنا العربي، وسيظل أهم أدوات بناء الشخصية وصياغة الوجدان وتشكيل العقل والإدرك بحقائق التاريخ ومجريات الواقع لدى الأجيال الجديدة، لتتساوى أهميته وربما تفوق التعليم تأثيرًا؛ ذلك أنه عابر للحدود يصل للمتعلم والجاهل والكبير والصغير في وقت واحد ليبنى قناعات وأفكارًا وأخلاقًا تجعل لحياة المواطن قيمة ومعنى وهدفًا!
الحروب الحديثة لم تعد مجرد احتلال للأرض بل احتلال للعقول تبدأ بتشويه التاريخ وهدم الرموز التاريخية والهوية الوطنية والمُثل العليا حتى لا يبقى لشبابنا انتماء لوطنهم واعتزاز بهويتهم عبر محاولات لا تكف عن اختلاق الشائعات تارة وإثارة غرائزهم وتنمية الأنانية والاستهلاك النهم في نفوسهم تارة أخرى.
ولا عجب والحال هكذا أن تسعى الدول لتحصين وعي شعوبها بتبنى فن هادف في الدراما والسينما والمسرح والموسيقى، وتبنى تعليم مثمر وإعلام مستنير موضوعي، وليس بأعمال هابطة يتذرع أصحابها بمبدأ مخادع بأن ناقل الكفر ليس بكافر..
ليقدموا أعمالًا تركز على الرذيلة والعنف والتفاهة وغيرها من الأمراض الاجتماعية التي بدلًا من أن يعالجها الفن ليقطع دابرها ينميها ويزيدها انتشارًا في المجتمع.. أليس انتشار العنف في فترة ما كان محاكاة عمياء من شبابنا لأبطال تلك الأعمال التي أشهرت السلاح في وجه خصومها على الشاشات؟!
الأمر الذي يجعلنا نقول مطمئنين أن الفن والواقع وجهان لعملة واحدة، بل ربما خلق الفن واقعًا مريرًا فما يركز عليه يكبر وينمو وما يغفله يذبل ويتلاشى.. الأمر الذي يقتضي المعنيين بصناعة العقل والوجدان والعقل أن يبذلوا مزيدًا من الجهود لإفساح المجال أمام تعليم هادف ومثمر وثقافة رفيعة وفنون راقية لتأخذ مكانها اللائق في حياتنا وأن تعود لكنف الدولة لتخرج من رحمها وتحت رعايتها كوسيلة لإيقاظ الوعي وشحذ الهمم.
القوة الناعمة تبدأ بالتربية والثقافة والفنون والعلوم، فهي أركان الشخصية وأهم أدوات تشكيل العقل.. بها يكتسب المواطن الصغير ذوقه الفني ويبني بها مداركه ومعارفه ويصوغ وجدانه وقيمه وطموحاته وعشقه للوطن وولاءه وثقافته وانحيازاته.. وبها تتكشف مواهبه الكامنة وقدراته الدفينة.. حتى تصبح لحياته معنى وهدف وقيمة..
آن الأوان بعد نجاح الدراما الوطنية أن تستعيد الدولة قواها الناعمة في مختلف أنواع الدراما وفي شتى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية والإنتاجية.. وتلك في رأيي أولوية ينبغي أن تتقدم على ما سواها.
يحدونا الأمل أن يزداد التركيز على إنتاج أعمال فنية تعكس خطًا تاريخيًا هادفًا وبناء معرفيًا هادئًا واجتماعيًا مستنيرًا مثلما كانت أعمال الزمن الجميل التي أبدعتها قرائح مبدعين عظام أمثال أسامة أنور عكاشة الذي تجسد أعماله الروح والشخصية المصرية بكل تفاصيلها ومستوياتها.
ما نرجوه أن تختفي دراما تشويه القيم والوعي والإدراك لتحل محلها دراما تبرز الصورة الإيجابية وأن يعود الإنتاج المتميز لشركات وكيانات وطنية تحرص على الحفاظ على نجومنا وتواصل في الوقت ذاته اكتشاف مبدعين جدد في كل مجال، لا يكون همهم البحث عن المال خارج الحدود ببرامج مقالب أو حفلات موسمية تسحب البساط من تحت أقدام الوطن.
نريد أعمالًا فنية تكرس قيم الولاء والانتماء الوطني عبر تصدير نماذج إيجابية جادت بأرواحها حتى يحيا وطنها عزيزًا أبيًا كريمًا.. وهي نماذج نحن في أشد الحاجة لابتعاثها ومحاكاتها في مثل ظروفنا الصعبة، أعمالا فنية تبرز دور التعليم والبحث العلمي في تطوير المجتمعات ونهضة الأمم وأن القوة الحقيقية تكمن في العقل ومنجزاته..
نريد دراما لا تعري مجتمعنا ولا تسفه قيمه وأحلامه حين تصر على إبراز نماذج تتجرأ على الأخلاق وتدوس القيم وتمارس الخيانة وقلة الأدب والتفاهة والبلطجة.. فهل تتحرك الجهات المعنية بصناعة الوعي والضمير والأخلاق والوجدان؟!