رئيس التحرير
عصام كامل

الفن وسنينه

النجم الملهم والفنانة اللوذعية والمخرج الفلتة!

التمثيل من أقدم الفنون منذ زمن الفراعنة فالإغريق مرورًا بعصر النهضة في أوروبا، حتى تطور بشكل مذهل بدءًا من العصر الحديث حتى الآن، وهو من أهم الفنون وأكثرها تأثيرًا في المجتمع، فهو ليس للترفيه فقط بل للتنوير والتعبير عن مشاكل الناس وبناء الوعي الجمعي، والممثل هو العنصر الرئيس في هذا الفن، والذي يجب أن تتوافر فيه عدة مقومات حتى ينجح في مهمته الأساسية وهي تجسيد وتقمص الشخصيات المكتوبة في الرواية أو الحكاية بإتقان وواقعية.. 

 

ومن هذه المقومات كما يقول كياريني في كتابه فن الممثل.. التركيز والتجاوب.. التركيز فيما يجسده من شخصية بكل مفرادتها وتفاصيلها والتجاوب مع باقي الممثلين، التحكم في الصوت ولغة الجسد والانفعالات والحركات والإيماءات، الحفظ..

 

ويؤكد ستانسلافسكي صاحب أول كتاب عن أصول وقواعد ومنهج التمثيل، إعداد الممثل، أن الممثل الموهوب حقًا هو من يقنع الجمهور وينقل له عدوى الشخصية التي يلعبها، لأنه وقتها يكون حقيقيا وصادقا تمامًا..


وفي مصر خلال العصر الحديث ظهر وتطور فن التمثيل على أيدي رواد المسرح مثل يعقوب صنوع وجورج أبيض ويوسف وهبي ونجيب الريحاني، ومنهم إنتقل إلى السينما في بداياتها حيث سيطر الأداء المسرحي عليها لسنوات طويلة، قبل أن يحدث التطور بفعل إنشاء المعاهد والنقابات الفنية وإرسال البعثات لأوروبا وأمريكا وظهور أجيال من الفنانين الحقيقين الذين حملوا مشعل الفن والسينما على وجه الخصوص، وصنعوا لها عصرها الذهبي في حقبتي الخمسينيات والستينيات. 


جيل الثمانينيات


واستمر التطور ولكن بوتيرة أقل في جزء من حقبتي السبعينيات والثمانينيات في السينما والتليفزيون والمسرح مع صعود وتألق نجوم موهوبين أمثال نور الشريف ومحمود ياسين وعادل إمام ومحمود عبد العزيز وأحمد زكي، يدعمهم نخبة من المؤلفين والمخرجين أمثال وحيد حامد وبشير الديك وأسامة أنور عكاشة وعاطف الطيب ومحمد خان وسمير سيف.. 

 

وذلك قبل أن يسيطر جيل هنيدي من المضحكين الجدد على الساحة السينمائية، فيحدث تراجع كبير في مستوى ما يقدم، سواء من حيث المضمون بصفة عامة أو التمثيل بصفة خاصة، ولكن هذا لا ينفي وجود مواهب حقيقية رغم محدوديتها ولكنها موجودة وفاعلة في الوقت الحالي مثل.. كريم عبد العزيز ومنى زكي ومنة شلبي وطارق لطفي وياسر جلال وخالد النبوي وغيرهم وسط مئات من محدودي ومعدومي الموهبة للأسف!

 

مقارنة ظالمة

محدودية المواهب الحقيقية مع قلة أو ندرة الكتاب والمخرجين من ذات النوعية، إضافةً إلى غياب المنتجين الفاهمين انعكس سلبًا على الإنتاج السينمائي والتليفزيوني والمسرحي فصارت أغلب الأعمال دون المستوى من كافة العناصر.. 

اللهم إلا عدد قليل جدا مثل الفيل الأزرق، الخلية، كيرة والجن، تحت الوصاية، الحشاشين، جودر، والأخيران اللذان عرضا في شهر رمضان الماضي وحققا نجاحًا كبيرًا ونالا إشادات واسعة بل وذهب البعض إلى مقارنتهما بالمسلسلات التاريخية العالمية ومنها التركية التي غزت الشاشات العربية في السنوات الأخيرة وحصدت متابعات بمئات الملايين.. 

أرى أن هذه المقارنة ظالمة ولا تجوز من الآساس! مع تقديري للتطور الجيد شكلًا لهذين العملين! ولكن مازلنا بعيدين بخطوات كثيرة عن الوصول لمستوى هذه الأعمال، ليس من ناحية الشكل والصورة والتقنيات الحديثة فقط، بل ومن ناحية المضمون ككل ومستوى التمثيل والتطور المذهل والاحترافية الكاملة التي يتمتع بها أغلب نجوم وممثلي هذه الأعمال.. 

حيث تنفتح تركيا على جيرانها في الشطر الأوروبي وتنهل منهم أفضل مالديهم في صناعة الفن.. تليفزيون وسينما بكل العناصر تمثيلًا وكتابة وإخراجًا إلى أخره، حتى باتت قوة عظمى في هذه الصناعة، بينما نحن مازلنا نحبو نحو التقدم ببطء شديد أشبه بالتراجع !فصرنا خارج المنافسة حتى مع بعض الدول الشقيقة التي علمناها الفن وتربوا على أفلامنا ومسلسلاتنا لعقود طويلة!

 

أسباب عديدة

ولعل من أسباب تراجع صناعة السينما والدراما التليفزيونية المصرية وفي قلبها مستوى التمثيل يعود أيضا إلى مناهج الدراسة البالية في المعاهد الفنية والتي لا تواكب التطورات الحديثة في فن التمثيل وإعداد الممثل وكيفية تطويره لأدائه ولأدواته، كذلك ندرة البعثات الخارجية لدراسة الفن عكس ما كان سائدًا من قبل.. 

 

 

اقتحام أعداد كبيرة من محدودي الموهبة ومعدوميها مجال التمثيل وحصولهم على فرص حقيقية دون وجه حق وبطرق مختلفة ومريبة أحيانًا! وتصدر بعضهم الصفوف الأولى بلا أي مقومات، هذا بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه بعض الأقلام المحسوبة على الصحافة في تلميع وتعظيم وجوه غير موهوبة ولا تمتلك القبول ولا مقومات النجومية.. 

وهو نفس الدور الذي تضطلع به ولكن بصورة أكثر اتساعًا ووضوحا وسائل السوشيال ميديا وكتائبها الإلكترونية التي في غمضة عين تستطيع أن تحول أي شخص مجهول إلى نجم شهير يركب الترند ويصبح النجم الملهم نجم النجوم، ومن ممثلة مغمورة إلى النجمة اللوذعية محطمة القلوب، ومن مخرج محدود الإمكانات يبحث عن فرصة إلى المخرج العبقري الذي لم تنجبه ولادة وهكذا.. والأمثلة على ذلك عديدة في الآونة الأخيرة! 

وللأسف معظم الذين يتصدرون الساحة الفنية حاليًا من هذه النوعية التي لا تمتلك الحد الأدنى من الموهبة والكاريزما ولهم أقول كم من جرائم ترتكب باسم الفن ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الجريدة الرسمية