هل ماتت الأحزاب؟!
في ظل ما نعيشه من أزمات وتحديات وجودية على حدودنا من كل الاتجاهات الاستراتيجية لا تكاد تسمع للأحزاب السياسية والمعارضة صوتًا، ولا حلولًا ولا نقدًا بناء ولا خريطة طريق للمستقبل..
وهو ما يطرح سؤالًا مهمًا: إذا لم نسمع صوتًا للأحزاب والمعارضة في أصعب الظروف الاقتصادية، وما يعانيه المواطن من غلاء متصاعد ونقص في الدواء وضعف في القوة الشرائية وجباية لا تتوقف من حكومة لا تعرق إلا جيب المواطن سبيلًا، لتدبير عجز الموازنة وتنفيذ أوامر صندوق النقد.. فهل يعني ذلك أن الأحزاب السياسية قد ماتت في مصر؟!
لا يخفى على أحد حقيقة مهمة وهي أنها كلما قويت الأحزاب السياسية وخصوصًا المعارضة قويت بالضرورة أنظمة الحكم أنى وجدت.. هذه هي خلاصة فلسفة النظم السياسية.. ولا يخفى ما يمثله المجتمع المدنى وخصوصًا الإعلام والصحافة من أهمية بالغة في أي نظم ديمقراطية؛ بحسبانهما عين الشعب وضميره وأهم أدوات الرقابية، فإذا كانت البرلمانات هي الرقيب على أداء الحكومات فإن الصحافة والإعلام هما الرقيب على أداء البرلمان والعين التي لا تنام!
لكن هل يؤدي برلماننا دوره المنشود في رقابة الحكومة وتصويب مسارها كلما إعوج وحاد عن جادة الصواب؟ وهل يخشى البرلمان صوت الإعلام والصحافة؟ هذان سؤالان محوريان تعطي الإجابة عنهما مؤشرًا مهمًا لحقيقة الحياة السياسية واتجاهاتها وعافيتها أو ترهلها وضعفها..
وحين نستعيد أداء المعارضة في الزمن الجميل ندرك أنها لم ديكورية ولا شكلية ولا معارضة من أجل المعارضة فقط، وإنما كانت معارضة على وعي وعلم وإدراك لحقيقة دورها السياسي، الذي لا تستقيم الحياة السياسية إلا بوجوده كاملًا غير منقوص.. معارضة تملك البدائل والرؤية السياسية والحلول وهو ما جعل الحكومات تخشاها وتعمل لها ألف حساب!
وتحضرني أسماء لمعارضين كانوا ملء السمع والبصر في زمانهم؛ قامات سياسية تملك من الوعي والحصافة والشجاعة والوطنية والحنكة والوعي السياسي والخبرة الاقتصادية ما جعلها ذات تأثير كبير خلق زخمًا وحيوية وعافية سياسية في المجتمع..
معارضة كان هدفها مصر لا يستهويهم تمويل أجنبي ولا يرهبهم سيف المعز ولا يغريهم ذهبه ومن هؤلاء: وحيد رأفت، أبو العز الحريري، لطيفة الزيات، عادل حسين، عبدالمنعم تليمة، عبدالمحسن طه، عصمت سيف الدولة، فتحي رضوان، مصطفي شردي، حسين عبدالرازق، خالد محيي الدين، إبراهيم شكري، محمد حلمي مراد، ممتاز نصار، علوي حافظ، فريد عبدالكريم، فريدة النقاش، وغيرهم.
ليت شباب اليوم ومن لم يعاصر هذه القامات الرفيعة، وكل من ينتمي لحزب سياسي يقرأ سيرة هؤلاء المعارضين العظام ليتعلم "ألف باء" سياسة، وكيف تكون المسئولية والأمانة والثقافة والحس السياسي والنضال بتجرد ونزاهة، لا لغرض ولا لمصلحة شخصية ولا بمنطق أهل الصدقات "فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ".. تعلموا فنون السياسة والعطاء قبل أن تنسبوا أنفسكم إلى المعارضة أو تعدوا أنفسكم من السياسيين.