رئيس التحرير
عصام كامل

عن سحر السينما البسيطة

بالنسبة إليَّ، يُعد فيلم «اضحك الصورة تطلع حلوة» من تلك الأعمال السينمائية التي تُبهر ببساطتها، على الرغم من عمق الرسالة التي تحملها.. يتجلى هذا الفيلم كقطعة فنية تجمع بين الأداء الراقي والرسالة الهادفة، ممزوجًا بأداء رائع لممثلين عظام مثل أحمد زكي وسناء جميل، رحمهما الله.. بل تنسحب تلك الروعة على أداء ممثلين ثانويين، مروا أمام الكاميرا لثوانٍ معدودة، لكنها باقية.

أحد المشاهد التي قد تبدو بسيطة في البداية، لكنها تحمل في طياتها الكثير من المعاني، هو مشهد شخصية ماهر بيه أثناء تصويره صورة خاصة بالباسبور (جواز السفر). هذا المشهد يستغرق بالكاد دقيقة على الشاشة، ولكنه يقدم حكاية كاملة بكل تفاصيلها: بداية ووسط ونهاية.

ماهر بيه، الرجل المهم في مركزه، يأتي للتصوير عند المصور "سيد". يحاول سيد تحسين مظهره، فيقوم بتصفيف شعره قليلا وهندمتهً، ولكن ماهر بيه يعترض. وعندما يصرّ سيد، يكتشف أن شعر ماهر بيه المستعار يخرج في يده. وهنا يتعرى الوجه الآخر للرجل الذي ظلّ يظهر بمظهر معين لسنوات طويلة، ليبدو الآن على حقيقته العارية تمامًا.

الغضب الذي يظهر على وجه ماهر بيه يُعبر عن حالة الرفض للواقع الذي ظلّ يحاول إخفاءه. إلا أن التوتر يبدأ بالتلاشي تدريجيًّا عندما يقرر هو بنفسه مواجهة الحقيقة والتصوير بدون باروكة. فيطلب منه سيد أن يبتسم، ومع الوقت، تشرق الابتسامة على وجه الرجل، لتضفي عليه جمالًا حقيقيًّا في لحظات قبوله لذاته.

الرسالة التي يحملها هذا المشهد عميقة للغاية: عندما يقبل الإنسان حقيقته ويواجه مخاوفه، يصبح أكثر سعادة وراحة. فالصورة الحقيقية الجميلة ليست في مظهر خارجي زائف، بل في الرضا الداخلي وقبول الذات.

هذا المشهد، برغم قصره، يمثل جوهر الفيلم ويعكس مدى عبقرية وحيد حامد في الكتابة، إلى جانب إخراج شريف عرفة الذي أبدع في توصيل هذه الرسالة.

ومن المؤكد أن فيلم «اضحك الصورة تطلع حلوة» سيظل محفورًا في الذاكرة، ليس فقط بمشاهده الممتعة، بل أيضًا باقتباساته الشهيرة التي نستمر في استخدامها حتى اليوم، مثل: "كلمة أنا بحبك عقد، اللمسة عقد، النظرة عقد".

فالفيلم، بمشاهده وقصصه الصغيرة، يبقى رمزًا لفن السينما البسيط الذي يحمل في طياته رسائل عميقة تُلامس قلوب المشاهدين، وتظل محفورة في ذاكرتهم لسنوات طويلة.

عن البساطة

البساطة ليست مجرد مظهر، بل هي جوهر يعكس عمق الفكر والنضج الروحي. كما يقول ليوناردو دافنشي، "البساطة هي سحر الكمال"، وهي السمة التي تسعى إليها النفوس العظيمة التي تدرك أن الجمال الحقيقي يكمن في القدرة على الوصول إلى ما هو أساسي ونقي. 

هذا ما أكده فرانك لويد رايت بقوله: "الجمال يكمن في البساطة، والبساطة هي صعوبة الإنجاز". فالبساطة ليست مجرد تجرد من الزخارف، بل هي القدرة على إظهار الحقيقة في أبهى صورها.

البساطة، كما وصفها كونفوشيوس، "الطريق إلى النقاء الحقيقي"، فهي ليست مجرد وسيلة للحياة، بل هي فلسفة تُعبّر عن قوة الحكمة وعمق الإدراك. ويرى طوماس سانس أن "البساطة هي سلاح العظماء"، فهي تمنحهم القوة للتعامل مع تعقيدات الحياة بإيجاز ووضوح. 

وأضاف جون مونتفورد أن "البساطة هي النهاية المرغوبة لأي تطور"، مشيرًا إلى أن البساطة ليست مرحلة أولية، بل هي الهدف النهائي لأي عملية تطور أو تنمية. فالبساطة إذًا، ليست ضعفًا أو نقصًا، بل هي أعلى درجات الاكتفاء والرضا، كما أشار لاوتزو قائلًا: “البساطة لا تعني الفقر، وإنما الرفاهية الروحية”.

الجريدة الرسمية