رئيس التحرير
عصام كامل

مدرسة كوكو لتعليم الرأس

في زمن تتسارع فيه وتيرة الحياة كما قطار على قضبان زلقة، ويزداد الطلب على المعلومات والمعرفة، ظهر لنا ذلك الرجل الفذ، كوكو، الذي قرر أن يختصر الطريق إلى النجاح وأن يقدم للعالم حلولًا جذرية لمشاكله. ولكن هل كانت تلك الحلول عبقرية أم مجرد جنون؟

 

بدأ الأمر كأي قصة نجاح أخرى، فكوكو، الشاب الطموح، كان يحلم بتغيير العالم. ولكن بدلًا من أن يبدأ مشروعه التقليدي، اختار طريقًا مختلفًا تمامًا. قرر أن يفتتح مدرسة، ولكن ليس مدرسة عادية، بل مدرسة ثورية! فبدلًا من تعليم الأجساد، قرر كوكو أن يركز على العقول فقط.

 

توصل كوكو إلى نتيجة منطقية، وهي أننا لا نحتاج إلى كامل جسم التلميذ لتعليمه، بل يكفي أن نأخذ رأسه ونحشوها بالمعلومات. فما الفائدة من جسم قوي وعضلات متينة إذا كان العقل فارغًا؟ وهكذا، بدأ كوكو في تنفيذ خطته الشيطانية.

 

أخذ كوكو رؤوس التلاميذ، واحدة تلو الأخرى، ووضعها في فصول دراسية خاصة. ثم بدأ في حشو تلك الرؤوس بكل ما يمكن أن يتخيله من معلومات، بدءًا من الرياضيات والفيزياء ووصولًا إلى الفلسفة والتاريخ. لم يترك أي مجال إلا وغاص فيه.

 

أما أجساد التلاميذ، فوضعها في مستودعات ضخمة، حيث يتم تخزينها في ظروف مثالية. كان يرى أن هذه الأجساد ستكون مفيدة في المستقبل، ربما لصناعة قطع غيار أو لتصبح وقودًا نظيفًا.

 

وبمرور السنوات، أصبح لدى كوكو جيش من الرؤوس المفكرة، ولكن دون أجساد. كانت تلك الرؤوس قادرة على حل أعقد المعادلات وحفظ كميات هائلة من المعلومات، ولكنها عاجزة عن تحريك قلم أو شرب كوب من الماء.

 

أصبح كوكو مشهورًا في العالم أجمع، ولكن ليس كأحد العلماء أو المفكرين، بل كأحد المجانين. فمن منا يمكن أن يتخيل أن يأخذ رأس إنسان ويضعها في فصل دراسي؟ ولكن كوكو لم يهتم بآراء الآخرين، فقد كان مقتنعًا بعبقريته.

تجربة فريدة

وفي يوم من الأيام، قرر كوكو أن يجري تجربة فريدة من نوعها. جمع كل الرؤوس المفكرة في قاعة ضخمة، ثم بدأ في طرح أسئلة صعبة ومعقدة. كانت الرؤوس تجيب بدقة متناهية، ولكن كوكو شعر أن هناك شيئًا مفقودًا.

 

فقد كانت تلك الإجابات مجرد مجموعة من الكلمات والجمل، دون أي روح أو إحساس. كانت مجرد معلومات جافة، لا تعكس أي شخصية أو أي تجربة حياتية.

في تلك اللحظة، أدرك كوكو خطأه. فقد كان يعتقد أن العقل هو كل شيء، ولكنه نسى أن الإنسان كائن متكامل، يتكون من جسم وعقل وروح. وأن المعرفة الحقيقية لا تأتي من حفظ المعلومات، بل من فهمها وتطبيقها في الحياة.

 

وبينما كان كوكو يفكر في خطأه، سمع صوتًا خافتًا يقول:  أستاذ كوكو، هل يمكنك أن تعطيني قلمًا؟ أريد أن أكتب قصيدة.. التفت كوكو إلى مصدر الصوت، فوجد إحدى الرؤوس تنظر إليه بفضول. ابتسم كوكو، ولم يدرك أن رحلته الطويلة قد وصلت إلى نهايتها.

 

لم يلبث كوكو أن لاحظ تغيرًا غريبًا في رؤوس تلاميذه. فبعد أن كانت مجرد أوعية فارغة تنتظر أن تُملأ بالمعلومات، بدأت تلك الرؤوس تتوهج بضوء خافت، وتصدر أصواتًا همهمات غريبة.

 

سرعان ما اكتشف أن هذه الرؤوس قد اكتسبت قدرات خارقة، فبعضها استطاع التحكم في الأجهزة الإلكترونية بقوة الإرادة، وبعضها الآخر تمكن من التواصل مع بعضه البعض دون الحاجة إلى أي وسيلة مادية. كانت هذه القدرات نتيجة لتجاربه العلمية الغريبة، والتي ربما فتحت بابًا لعالم آخر، عالم مليء بالأسرار والقوى الخارقة.

 

لم يمض وقت طويل حتى بدأت الرؤوس تدرك أنها أصبحت أكثر من مجرد أداة في يد كوكو. فقد شعرت بالاستياء من وضعهن، ومن التجربة التي يخضعن لها. وبدأت تخطط للتمرد عليه.

 

 

وفي ليلة مظلمة، قامت الرؤوس بتنسيق هجوم مفاجئ على مختبر كوكو، مستخدمة قدراتها الخارقة في تعطيل الأجهزة وتشتيت الحراس. هربت الرؤوس إلى عالم افتراضي خلقته، عالم حيث يمكنها أن تعيش بحرية تامة، بعيدًا عن سيطرة كوكو وتجاربه المجنونة.

الجريدة الرسمية