رئيس التحرير
عصام كامل

كيف نتحكم في الأسعار؟!

لا حرية لمحتاج ولا استقلال لسائل.. وإذا أردت أن تكون كلمتك من رأسك فلا بد أن تكون لقمتك من فأسك.. هذه حكمة بالغة وحجة داحضة من المسلمات لا تقبل جدلا ولا نقاشا.. فلا توجد دولة تركت الإنتاج والعمل والإبداع ثم كان لها كلمة أو موقف أو دور أو مكانة.. وإذا كانت قيمة المرء تتحدد بما يحسنه في الحياة، فقيمة الدول أيضا تتحدد بما تنتجه وبما تصنعه وبما تزرعه.

فإذا لم يكن لها ما يميزها ويمنحها التفرد في الدور والمكانة والقوة الشاملة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وعلميا بجبهة داخلية متماسكة وقوية، وعقول نابعة قادرة على مسايرة العصر وامتلاك ناصية العلم والتقدم يصبح أي حديث عن الاستقلال والريادة عبثا ولغوا لا طائل منه!


"أيها السادة اخلعوا الأقنعة" هذه صرخة عالم ومفكر قدير اسمه الدكتور مصطفى محمود أطلقها قبل عقود في كتاب قيم يحمل العنوان ذاته.. فهل خلعنا الأقنعة أم ما زلنا نرتدى نظارات سوداء تحجب عنا لون الحقيقة..


لقد قالها مفكرنا الراحل بملء فيه، فالحضارة ليست أن تتفرج على التلفزيون، بل أن تصنعه.. وليست أن تسابق إلى شراء الصوف الإنجليزي، بل أن تتعلم كيف تغزله. الحضارة أصبحت اليوم علمًا، وصناعة، وتكنولوجيا، ومقدرة اقتصادية، وتنمية.. فلا حرية ولا استقلال، ورغيفنا وأسلحتنا وثيابنا في أيدٍ أجنبية تصنعها.


إن السيادة ستكون لمن بيده لقمتنا، وهو سوف يستعمرنا دون أن يرسل جنديًا واحدًا إلى أرضنا، ودون أن يُطلق رصاصة واحدة إلى صدورنا.


وسوف يفرض مشيئته علينا دون حاجة إلى قوة أو قهر. فإن ذلّ حاجتنا يكفيه، وبإمكانه أن يرفع سعر أي سلعة فيضاعف فقرنا أضعافًا كما يشاء. فلا حرية لمحتاج، ولا استقلال لسائل.


هل تغير شيء مما قاله الدكتور مصطفى محمود.. بالعكس كل ما قاله حدث ويحدث بحذافيره.. من بيده لقمتنا يمكنه رفع سعرها متى شاء، سواء كان تاجرا جشعا أو حكومة لا تكف عن رفع سعر السلع والخدمات بلا توقف، أو صندوق نقد يضع روشتة اقتصادية للحكومات بأن تتحرر من الدعم بصورة تدريجية حتى تصبح الحكومات تاجرا والشعوب مجرد زبون.

ليتحول كل شيء الى سلعة ولكل سلعة ثمن؛ التعليم سلعة، وخدمات الصحة سلعة والمواصلات سلعة.. تتحول الحكومات إذا تركت نفسها للصندوق إلى وسيلة جباية، لا ترفع عينها ولا تكف يدها عن جيب المواطن حتى يضعف ويقع فريسة للفقر والعوز.

بإمكانها رفع أي سلعة، وفور تحريك أسعار الوقود تتحرك من ورائه أي سلعة، وفور تحريك سعر الصرف أو خفض قيمة الجنيه تتداعى كل السلع والخدمات ارتفاعا دون خريطة طريق واضحة، تقول لنا متى نتوقف عن رفع الأسعار.

 

 

فمتى يسترد الجنيه عافيته مقابل العملات الأجنبية.. متى نكف عن استيراد الدواء والغذاء وكل ما لا نستغنى عنه.. حتى لا نصبح رهينة في يد من يصنع وينتج غذاءنا ودواءنا وكساءنا؟!

الجريدة الرسمية