ضمير العالم المغيَّب!
ما أحوجنا للمفكرين يضعون خارطة طريق لزماننا، بما يملكون من رؤية واسعة تبصر الحقائق الكلية للأشياء والحياة والكون، فبقدر ما نحتاج للصناع وأرباب العلوم الطبيعية الذين يواكبون العصر بمخترعاتهم ومنجزاتهم فنحن أيضًا بحاجة لمن يضعون خارطة طريق لصيانة النفس البشرية وحمايتها من أمراض العصر المادي الذي تتآكل فيه القيم الروحية وتنسحب من الحياة لصالح قيم الاستهلاك النهم والإشباع المادي للغرائز والشهوات.
إننا نقول الآن كما قال مفكرنا الكبير الراحل الدكتور مصطفى محمود إن الحرب انتهت وأنا أعتقد أنها بدأت.. وستكون الحرب القادمة حربا اقتصادية وفسادًا إعلاميًا وانحلالا شبابيا وتدهورًا معنويًا في كل شيء.
إن الحرب العصرية هي أن تجعل خصمك يقتل نفسه بنفسه بدلًا من أن تكلف نفسك بمشقة قتله! هذه هي رؤية المفكر الدكتور مصطفى محمود التي أودعها كتــابه الغد المشتعل، الصادر عام 1992.
وعجبًا لما يحدث في زماننا وكأن الرجل يحيا بيننا يقرأ في كتاب المستقبل ويرصد ويحلل برؤية الناقد البصير والمفكر القدير ما يجري للشعوب والأمم في زماننا.. ألا ترون أن قوة أمريكا في اقتصادها.. وهي تدير العالم انطلاقًا من هذه القاعدة..
صحيح أن قوتها تتراجع لصالح قوى أخرى بازغة لكنها لا تزال الأقوى؛ فاقتصادها هو الأكبر عالميا من حيث حجم الناتج المحلي الإجمالي والأكثر تقدما تكنولوجيا؛ حيث يمثل 17% من إجمالي حجم الاقتصاد العالمي، ويهيمن الدولار على سوق المعاملات الدولية ويشكل الجزء الأكبر من الاحتياطيات النقدية لدول العالم، كما أن بعض الدول تتخذ من الدولار عملة لها، وهو اقتصاد متنوع وهذا سر قوته وهيمنته.
ألا ترون أن ما قاله الدكتور مصطفى محمود قبل أكثر من عقدين من الزمان يتحقق بحذافيره.. ألا ترون أنها حرب إعلامية تحاك بخبث ودهاء لصالح القوى الكبرى.. إلا ترون ما يجري تصديره للشباب والناشئة من نماذج مشوهة تحتفى بالشذوذ والانحلال والمثلية وتنتهك حرمة الأديان والمقدسات.. كما حدث في حفل افتتاح أولمبياد باريس من مشاهد مسيئة للسيد المسيح!
هذه هي حضارة الغرب، حضارة المادة التي تصارع للبقاء ليس بغرس القيم والأخلاق الحميدة ولا القيم الإنسانية النبيلة، وإنما لا تزال تتغذى على قيم الاستعمار والاستغلال والقتل والدمار وانتهاك حرمة الأديان وسحق إنسانية الإنسان..
ما أحوجنا لضمائر المفكرين وقادة الأديان ليستنقذوا ما بقي في الضمير الإنساني بوقف الحروب والضمائر والعودة للفطرة السوية التي لا تتصادم مع مراد رب العباد من العباد.. ثم يأتي من يتحدث عن إزاحة وتقليص العلوم الإنسانية والاجتماعية وينسون أن الإنسان مادة وروح، جسد ونفس، عقل وفكر فهل بسطت المادة سلطانها على كل شيء.. ودخلنا عصر الإشباع المادي على حساب التهذيب الروحي والأخلاق وكل ما يبنى البراءة في الإنسان.. رحم الله مفكرنا الكبير الدكتور مصطفى محمود!