رئيس التحرير
عصام كامل

الفن وسنينه

المسكوت عنه في أزمة فيلم الملحد ! (2)

تعرضنا في المقال السابق لفيلم الملحد والأزمة الكبيرة التي أثارها قرار تأجيل عرضه لأجل غير مسمى قبيل ساعات من عرضه بدور العرض، والذي كان مقررا له الرابع عشر من الشهر الجاري، رغم حصوله على تصريح وإجازة بالعرض تحت تصنيف + 16! 

 

وهو ما أثار ومازال جدلًا واسعًا بين رواد السوشيال ميديا والأوساط الفنية والصحفية والإعلامية داخل مصر وخارجها، وتسبب في أزمة كبيرة دائرة منذ هذا القرار حتى الآن، أطرافها الرقابة والأزهر وقطاع كبير من رواد السوشيال ميديا وبعض المحامين من ناحية، وصناع الفيلم المنتج أحمد السبكي والمؤلف إبراهيم عيسى والمخرج محمد العدل وأبطاله محمود حميدة وأحمد حاتم وحسين فهمي وصابرين.. 

 

وخلصنا من عرضنا واستعراضنا لهذه الأزمة إلى أن المقصود بها بالدرجة الأولى الكاتب إبراهيم عيسى، الذي حشدت الكتائب الإلكترونية حشودها ضده بشكل غير مسبوق، لمنع عرض الفيلم وذلك لما لعيسى من سقطات وتجاوزات وآراء جدلية كثيرة تطال حقائق وثوابت دينية، مثل معجزة الإسراء والمعراج وكبار الصحابة وعلماء الحديث..

 

وخلصنا رغم كل ذلك إلى رفض قرار منع الفيلم بأي حال من الأحوال أو أي فيلم طالما حصل على موافقة وترخيص الرقابة بالعرض من قبل! ومن ثم يصبح التراجع عن هذا ما يشبه العبث ويسيء إلى الفن والفنانين وإلى أحد أجهزة الدولة وهي الرقابة التابعة لوزارة الثقافة! وطالبنا بضرورة عرض الفيلم في أقرب وقت ولنترك الحكم للجمهور ليقول كلمته فيه والنقاد.


وفي مقال اليوم نستكمل الحديث عن هذه الأزمة ونحلل أسبابها وتوقعاتنا لما ستؤول إليه في نهاية الأمر.

جبروت السوشيال ميديا

لا شك أن وسائل التواصل الاجتماعي ال ' Social Media ' صارت قوة جبارة وفعالة جدًا في كثير من الأحداث والقضايا التي تقع وتطرح في مجتمعاتنا العربية وأضحت تشكل الرأي العام وتوجهه بقوة لما يحب ويريد روادها ومن وراءهم ؟!، والأمثلة على ذلك كثيرة خاصةً في الآونة الأخيرة!

 

 ويقيني أنها مارست سطوتها وتأثيرها وضغطها بقوة وبصورة غير مسبوقة في موضوع منع فيلم الملحد قبيل أيام قليلة جدًا من عرضه! حيث أن هناك نسبة كبيرة من روادها المحافظين أو لنقول الكارهين لإبراهيم عيسى والرافضين له شكلًا وموضوعًا والمعترضين على كتاباته وتصريحاته الغريبة والجدلية في كثير من أمور الدين!

 

ومن ثم هم كذلك ضد كل برامجه وأفلامه على طول الخط، ومن هنا حشدوا كتائبهم الإلكترونية ضد فيلمه الملحد، واعتبروه مسيئا للدين ويحرض الشباب على الإلحاد! وذلك منذ الإعلان عن كتابته وطوال مراحله، وهو ما إضطر صناعه إلى تأجيله لمدة 3 سنوات كاملة! 

 

والحقيقة أن إبراهيم عيسى قد أعطى هؤلاء المبرر القوي لتلك الحملة الضروس ضد الفيلم، وذلك لإصراره على تسمية الفيلم باسم الملحد لأسباب تجارية وتمسكه بهذا الاسم بشدة! وقد تكون أحداث ووقائع الفيلم عكس ذلك التصور، ولا تشجع على الإلحاد كما جاء في تقرير الرقابة الذي نشره مخرج الفيلم محمد العدل مؤخرا!


ولكن قوة السوشيال ميديا نجحت حتى كتابة هذه السطور في منع ظهور الفيلم إلى النور، حيث تقول المعلومات المتوافرة لدينا أن منتج الفيلم أحمد السبكي تلقى إتصالًا هاتفيًا قبيل عرض الفيلم بأيام معدودة من شخصية مسؤولة تطلب منه تأجيل عرضه لحين إشعار آخر! وهو ما حدث بالفعل وتسبب في هذه الأزمة التي مازالت مشتعلة حتى الآن.


هل تحدث الانفراجة قريبًا؟

رغم أن أزمة منع فيلم الملحد ليست بجديدة أو غير مسبوقة في تاريخ السينما المصرية، فقط سبقها أزمات مماثلة كثيرة على مدار سنوات طويلة جدًا منذ ظهور الرقابة على المصنفات الفنية، حيث منعت أفلام عديدة لأسباب مختلفة أغلبها سياسية، وبعضها أخلاقية والقليل منها لأسباب دينية.. 

 

ومن أشهر هذه الأفلام.. لاشين عام 1938، شيء من الخوف عام 1959، أبي فوق الشجرة عام 1969، زائر الفجر عام 1973 والذي تسبب منعه في اكتئاب مخرجه ممدوح شكري وموته، حمام الملاطيلي عام 1973، المذنبون عام 1975، الكرنك عام 1975، درب الهوى عام 1983، حلاوة روح عام 2014.


ومعظم هذه الأفلام تم التصريح بعرضها بعد ذلك لتغير الظروف خاصةً السياسية منها.. ومن ثم ماذا لو افترضنا وتخيلنا أن الفريق الآخر من رواد السوشيال ميديا والكتاب والصحفيين والفنانين وصناع الفن الذين يدافعون عن الفيلم ويطالبون بعرضه في أقرب وقت، انتصروا على فريق المعارضين في الجولة الثانية من الأزمة، وتم عرض الفيلم في نهاية هذا الشهر كما يؤكد منتجه، وهو احتمال قائم بالفعل لا يمكن تجاهله..

 

 

خاصةً وأن شخصية عالمة ببواطن الأمور أسرت لبعض المقربين أن أزمة الفيلم في طريقها للحل قريبًا، ساعتها سيصبح الفيلم ومنتجه وصناعه وأبطاله هم أكبر المستفيدين من هذه الأزمة، بفضل حجم الدعاية الضخمة التي صاحبت الإعلان عن عرض الفيلم منذ عدة أسابيع وما آثاره ذلك من جدل شديد منذ ذلك الحين وحتى الآن، وهو ما قد يترجم لا محالة في حجم الإقبال على الفيلم من قبل الجمهور في صورة إيرادات مرتفعة لم يكن يتوقعها أو ينتظرها منتجه ونجومه وصناعه! ورب ضارة نافعة.

الجريدة الرسمية