في الذكرى التاسعة
نور الشريف: حكايتي مع الجوهري والسعدني!
لم تربطني علاقة بفنان على مدار مشواري في صاحبة الجلالة مثل التي ربطتني بالفنان الراحل العبقري نور الشريف، والتي امتدت لأكثر من 25 عامًا، وتجاوزت بمراحل علاقة الصحفي بالفنان لتصبح علاقة الأب بابنه والمعلم بالتلميذ، فكان لي الشرف ضمن قلة معدودة جدًا من الصحفيين أن أجري معه العديد من الحوارات التي كانت ومازالت من أهم ما أنجزته في عالم الصحافة والأقرب إلى قلبي..
والتي خصني فيها الأستاذ نور الشريف بكثير من الأسرار والحكايات والنوادر والتجارب الفنية والشخصية، فضلًا عن عشرات المناقشات بيننا التي استفدت منها كثيرا في الفن والتاريخ والسياسة والرياضة والحياة وشتى المجالات، فهذا الفنان الموسوعي نادرًا ما يجود الزمان بمثله.
ورغم أنني شرفت بكتابة عدد من المقالات عنه فتح لي من خلالها خزينة أسراره الفنية والشخصية عبر بوابة الغالية فيتو، إلا أنني أجد نفسي مدفوعًا دفعًا لسرد المزيد من حكايات وتجارب واعترافات هذا الفنان العظيم، الذي هو بمثابة المعين الذي لا ينضب أبدًا والتي خصني بها وذلك من خلال هذا المقال الذي يوافق الذكرى التاسعة لرحيله، رحيل الجسد دون الروح والأثر والتأثير بأعماله الخالدة ومواقفه الشجاعة في تاريخ الفن المصري والعربي على مدار 50 عامًا.
وفي مقال اليوم يعرض لنا الفنان الكبير نور الشريف بأسلوبه الشيق السلس بعضًا من ذكرياته وحكاياته المثيرة مع الأسرة والأصدقاء والفن.
الجوهري منحني 3 جنيهات
عندما التحقت بالمعهد العالي للفنون المسرحية كان ذلك ضد رغبة أعمامي الذين يقومون بتربيتي بعد رحيل والدي وأنا لم أكمل عامي الأول، وحاولوا بكل قوة إثنائي عن الاستمرار في الدراسة بالمعهد أو أضعف الإيمان الانتقال إلى قسم الديكور بالمعهد بدلًا من قسم التمثيل والإخراج الذي ليس له مستقبل من وجهة نظرهم!
لكن محاولاتهم بائت بالفشل، وإمعانا منهم في الضغط علي قرروا منع المصروف عني وهنا ظهر الأصدقاء الحقيقيون، صديقي محمود الجوهري، وهو ليس المدرب الشهير للمنتخب القومي المصري في كرة القدم، ولكن زميلي في الدراسة بمدرسة بنباقادن الإعدادية وشريكي في التمثيل في أول تجربة لي على مسرح المدرسة..
لم يستطع محمود الالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية ليس لضعف موهبته ولكن بسبب اعتقال والده الذي كان ينتمي إلى جماعة الإخوان، فاضطر إلى أن يعمل وكان يتقاضى 13 جنيهًا في الشهر، فتطوع بإعطائي مبلغ 3 جنيهات شهريًا حتى أستطيع عمل إشتراك الترام والتروللي باص لأتمكن من الذهاب إلى المعهد يوميًا، وكان المعهد لا يزال في الزمالك بشارع المعهد السويسري.
القاهرة والناس
تقدمت وأنا طالب بالمعهد إلى التليفزيون لقيدي في كشوف الممثلين كما هو كان متبع مع طلبة المعهد، على أن يكون أجري 8 جنيهات في نصف الساعة، وقتها كان الحلقة التليفزيونية نصف ساعة ولكن للأسف الشديد لم أنجح في امتحان القبول بالتليفزيون!
فاضطررت أن أعمل فيما بعد بأجر الكومبارس الذي كان 4 جنيهات في نصف الساعة، فعملت كومبارس في العديد من الأعمال منها مسلسل لا تطفئ الشمس.
وفي أحد الأيام طلبتني المخرجة إنعام محمد علي لأقول جملة أو جملتين في سهرة إسمها الامتحان بطولة الفنان صلاح السعدني والفنان توفيق الدقن، وكان هذا التعارف بيني وبين هذه المخرجة أول مواعيدي مع الحظ، فبعد التخرج من المعهد فوجئت بالمخرج محمد فاضل وكان وقتها زوج المخرجة إنعام محمد علي، يدعوني مع آخرين لاختيار ممثل شاب يلعب أحد أدوار البطولة في مسلسل القاهرة والناس..
وكانت المفاجأة أن اختارني لدور عادل عوض في المسلسل الذي اعتبره حجر الأساس في مشواري الفني، ومن ثم لا يمكن أن أنسى فضل الأستاذ محمد فاضل على كممثل تليفزيوني، لأنني تعلمت على يديه حرفية التمثيل التليفزيوني.
كامل رؤبة لاظ
مرت بضعة سنوات في عالم الاحتراف للفن القاسي المليء بالشائعات والمنافسات الشريفة وغير الشريفة -كما يحدث في كل المهن- وكنت أحيانًا أشعر بالأسى وأحيانًا بالغضب من الشائعات التي تطلق علي من بعض الحاقدين والحاسدين في محاولة لتحجيم نجاحي.
وكان أحد أغلى أحلامي منذ أن كنت طالبًا بالثانوية العامة، أن أجسد شخصية 'كامل رؤبة لاظ في قصة الأديب الكبير نجيب محفوظ السراب رغم صعوبتها وحساسيتها، ذلك الشاب الملتصق بأمه بما يشبه عقدة أوديب وعندما يتزوج تكتشف زوجته عجزه في العلاقة الحميمة!
وكنت أتابع الأخبار التي كانت تتردد وقتها عام 1970 على أن الذي سيمثل الدور الأستاذ حسن يوسف ثم الأستاذ إيهاب نافع، إلى أن حدثت المفاجأة السارة جدًا التي جعلتني أطير من السعادة، عندما تلقيت مكالمة تليفونية من النجمة القديرة ماجدة منتجة الفيلم تبلغني اختيارها لي لألعب هذا الدور أمامها إخراج أنور الشناوي، وصورنا الفيلم وجاء يوم الافتتاح والعرض الأول له بسينما ريفولي بوسط البلد.
وهنا ظهر نموذج نادر للصداقة الفنان الجميل صلاح السعدني، كإنسان عظيم يملك قلبًا يسع العالم ونفسًا لا تحمل بغضا ولاكرها أبدًا، وكما ذكرت كنت عملت معه كومبارسا متكلما في سهرة الامتحان، ويوم عرض الفيلم اقترض نقودا ليعزمني أنا ومجموعة من الأصدقاء المقربين منهم الفنان نبيل الحلفاوي وقال يومها: اليوم نحتفل ببداية نجاح جيلنا.. ومن هنا بدأت طريق البطولات في معشوقتي السينما.