ساخرون، حكاوي زمان.. أحمد بهجت يكتب: فى الصداقة حرية أكبر من الحب
كتب الكاتب الصحفي أحمد بهجت مقالا عن الصداقة يقول فيه: تفضّل المرأة الحب على الصداقة، أما الرجل فيميل إلى الصداقة أكثر مما يميل للحب، والصداقة معنى أوسع من الحب، وهى تتضمن شعورًا يصل فى بعض الأحيان إلى مرتبة الحب أو يزيد أحيانا عليه.
وفى الصداقة حكمة يفتقر إليها الحب، كما أن فيها استمرارًا لا يتأثر بميل الشاعر نحو أطراف أخرى، فهى علاقة مستمرة برغبة الطرفين مهما كانت صداقاتهم الأخرى.. كما أن نسيج الصداقة يحمل قدرًا من الحرية لا يتوافر عادة فى الحب..
وتسير الصداقة والحب جنبًا إلى جنب فى الحياة، أحيانا تتشابه الملامح والثياب ولكن تعبير العينين يختلف.. ففى الحب تعبر العينان عن الرغبة فى الاستحواذ أي الامتلاك والامتلاك الكامل.. أما فى الصداقة فتعكس العينان تعبيرًا عن المشاركة والود وحب الخير للطرف الآخر.
والاستحواذ سهل، ولا يحتاج الشعور إلى الاستحواذ أو الملكية إلى تدريب أو معاناة، أما المشاركة فتحتاج دائمًا إلى عناء وتدريب، وقد يحس الإنسان أنه يشارك غيره فى الآراء والمشاعر وهو فى الحقيقة يريد من الغير أن يشاركه فى الآراء والمشاعر وهذه نقطة دقيقة.
أحيانا يحس الإنسان أنه يريد أن يشارك غيره بينما هو فى الحقيقة يبحث عن مرآة يرى فيها صورة لأفكاره ومشاعره.. وهناك فرق بين رؤية آرائى الخاصة فى مرايا الآخرين والاشتراك مع الآخرين فى آرائهم الخاصة بهدف الوصول إلى اقتناعات جديدة أو رأى جديد.
وهذا هو الفرق بين النضج والأنانية أو هو الفرق بين الصداقة والحب، فى الحب أنانية لا يمكن إنكارها.. وفى الصداقة نضج لا يمكن إغفاله.. والسؤال المطروح هنا: هل يمكن تطعيم الحب ببعض الصداقة دون أن تفسد طبيعته الخاصة.. ويبدو أن الجواب هنا صعب.
لو كان قيس بن الملوح مثلًا صديقًا لليلى العامرية لأدركه الفهم أكثر مما أدركه الحزن، ولاستقامت حياته على حساب نبوغه فى الشعر، ولعاش الرجل حياة سوية معقولة ولم يترك لنا ما تركه من شعر ينبع من جنونه.
لقد اختار الشاعر المجنون أن يظل على الحب، رفض يد الصداقة الممدودة له، وآثر أن يتعذب وحده وصنع لنا من عذابه تراثًا من الأدب الجميل يمثل العذاب فى الحب. ليس سؤال هنا: هل كان أعقل أم أعظم جنونا، لكن كان جواب قيس: أنه كان أصدق.