ساخرون، حكاوي زمان.. أنيس منصور يحذر من اختفاء الحب من حياتنا
فى عموده مواقف بجريدة الأهرام عام 1995 كتب الكاتب الصحفى أنيس منصور تحت عنوان «فى عهد الجحود والنكران غاب الحب والود» يقول: هل اختفى الحب العظيم؟ هل تلاشى الإخلاص حتى الموت؟ هل الحياة أقوى من الموت، والحرص على الحياة أقوى من ذكريات الموتى؟
ألم يعد هناك شيء يساوى أن يتعذب الإنسان من أجل إنسان آخر أحبه ومات؟ هل ضعفت ذاكرة الناس أو تصلبت قلوبهم، هل من السهل على أي إنسان أن ينسى لحظات عميقة فى حياته أو سنوات غالية فى عمره هى حياته وهى عمره؟
إن الكثير من القصص ومن المسرحيات والأفلام التى نراها تؤكد لنا أن الحياة قطار أو طائرة أو سيارة، وأننا نلتقى بعض الوقت ونسعد بعض الوقت، ونفترق لأى سبب.. ولكن علينا أن نكمل الرحلة وحدنا أو مع آخرين، فكل إنسان قد أخذ نصيبه من الحياة.. وليس من العقل أن يبيع الإنسان عمره على أناس انتهت أعمارهم.. فلا شيء يساوى هذا العذاب وهذا الألم.
معنى هذا أن العلاقات الإنسانية هينة ورخيصة وعابرة، وأن الإنسان يجب ألا يفرح بشيء لأنه سيفقده، ويجب ألا يبكى على شيء لأنه لا أمل من وراء البكاء.. فما راح راح، وما جاء سوف يروح، وما دامت الدنيا كلها إلى نهاية.. فلماذا نتعجل هذه النهاية؟ ولماذا نعيشها قبل الأوان؟
لكن يبدو أن تيارا عكسيا بدأ يظهر على الشاشة يرد إلى الإنسان أصله فى الحياة وتمسكه بالقيم الإنسانية ومقاومته للموت والفناء.. فالذكريات والحياة على الذكريات معناها: أن الذى مات لم يمت، بل من الممكن أن يكون الأموات أقوى من الأحياء.
بل فى استطاعة الموتى الأعزاء أن يستولوا على حياتنا.. ونحن سعداء بهذه التضحية. ولا أنسى الفيلم الذى ظهرت فيه صوفيا لورين واسمه “عباد الشمس”، هو البداية الحقيقية للحب الكبير العميق، فهى تقوم بدور زوجة مات زوجها فى الحرب العالمية الثانية تحت الجليد فى روسيا، ولكنها لا تستطيع أن تصدق ذلك فذهبت إلى روسيا تبحث عن الزوج.
لأن شيئا فى داخلها وفى قلبها وأحلامها يؤكد لها أن زوجها لم يمت، وأنه حزين عليها، وأنه فى حاجة إليها، كما أنها فى حاجة إليه. وتنتقل صوفيا بين مقابر الشهداء، وتتمشى بين الموتى بين قصص تحولت إلى تراب.. بين أحلام تكسرت وآمال تهشمت، وسجلت بداية إنسانية، أو بداية لتصحيح الضياع الإنسانى أو الضياع العاطفى.
ومعنى ذلك أن الإنسان بعد أن يموت يمكن أن يعيش فى قلوب الذين يحبهم.. إنه بعد موته لا يدرى بشيء، ولكن الأحياء يعيدون إليه حياته مع مزيد من الامتنان. إن الجديد هو شعور الإنسان بالامتنان فى عصر من أهم معالمه الجحود والنكران والكفران أيضًا.