ثورة يوليو هل انقلبت على مبادئها؟!
مرت 72 عامًا على ثورة يوليو 1952، ولا تزال حاضرة بقوة في ذاكرة الأمة، وستظل رغم ما خالطها من سلبيات نقطة تحول فارقة في مجرى تاريخ مصر؛ فقد أنهت بشجاعة مشهودة عصر الإقطاع والمَلكية، وفتحت الباب لتحرر وطنى واستقلال لم يتوقف عند مصر وحدها بل امتد ليشمل دولًا كثيرة هنا وهناك!
تجدد ذكرى الثورة يثير أسئلة عديدة لا تزال بلا إجابات حقيقية: هل كان جمال عبدالناصر قائد الثورة يعلم بما جرى في عهده من تعذيب قاسٍ بحق السجناء السياسيين.. فإذا كان يعلم ولم يتحرك لإيقافه فتلك مصيبة ووصمة شائنة على جبين هذا العهد، وإذا لم يكن يعلم فالمصيبة أعظم؟!
وهل انقلبت الثورة على أهم أهدافها وهو إقامة حياة ديمقراطية ونيابية سليمة؟ فلم تمارس الديمقراطية بصورة تضمن تداول السلطة سلميًا بسلاسة ويسر.. وهل حافظت الثورة عل مكتسباتها وهى عديدة ومثمرة، وأهمها بالطبع مجانية التعليم التي استفاد منها كثيرون من الفقراء والبسطاء؟ وقد استفدت شخصيًا منها، ولولاها ما تعلمت أجيال كثيرة ولا حصلت على شهادات عليا ووظائف مرموقة، ولا تشكلت طبقة وسطى خرج من رحمها علماء ومفكرون ومبدعون في كل المجالات..
وكيف تراجعت تلك المكتسبات ومن المتسبب في تراجعها؟ وهل من سبيل لاستعادة تلك المكتسبات حتى تعود للطبقة الوسطى بريقها وحيويتها بحسبانها الطبقة الحاضنة للنضال والكفاح والنجاح والعمل والإبداع؟!
فرغم كثرة ما كُتب عن ثورة يوليو 52، سواء بأقلام رجال الثورة، وقد كانوا بارعين في الكتابة ولهم حولٌ وطولٌ في الثقافة والأدب، وهم نتاج عهد سابق على الثورة امتاز بخصوبته الفكرية والثقافية رغم المآخذ السياسية عليه، أو كتب بأقلام خصومها أو بأقلام صحفيين أحبوا عبدالناصر وآخرين ناصبوا أفكاره ومشروعاته العداء..
وأيًا ما تكن مواقف هؤلاء واتجاهاتهم السياسية فإنه لا خلاف أن ثورة يوليو كانت حدًا فاصلًا بين عهدين، عهد الملكية الإقطاعية وعهد الجمهورية الأولى لمصر.
ولا ينبغي أن يغيب عنا ونحن نطالع ما كتب عن يوليو مدحًا أو قدحًا أن نتذكر أن ثوار يوليو كانوا بشرًا لهم ما لهم وعليهم ما عليهم.. ولعل ما يثار عن تلك الثورة من جدل لم ينقطع منذ رحيل عبدالناصر في سبتمبر 1970 خير دليل على أن لثورة يوليو تأثيرًا لا يمكن إنكاره في تاريخ المصريين وأحوالهم على مدى عقود وعقود.. ويبقى السؤال الأهم: هل كُتب تاريخ ثورة يوليو بإنصاف دون انحياز لها أو إجحاف بها؟!