لا تمسحي دموعك يا سناء
كثيرا ما مررت على مبناها العريق وأنا في طريق اعتدت سيره على الأقدام ذاهبة من ماسبيرو إلى ميدان رمسيس الذي أرى ظاهره ازدحامًا دائمًا بالبشر والسيارات والحافلات، وباطنه تزاحمًا للحكايات والأسرار والدراما الحقيقية.. إنه مبنى جريدة الأهرام العريقة.
كنت أذهب إلى المبنى الجديد هكذا كان يسميه أبناؤه لأجلس مع أصدقائي من دفعتي في كلية الإعلام أو الدفعة السابقة لنا في مجلة نصف الدنيا.. كنت أرى هناك الدنيا كلها.. شباب يخطون أولى خطواتهم الجادة في بلاط صاحبة الجلالة بقوة دفع.. من موهبتهم ودراستهم المتخصصة ومناخ صحفي مشجع للشباب بل ومحتضنًا لهم.
من رئيس مجلس إدارة وهو الكاتب الصحفي الأستاذ إبراهيم نافع ورغم تحفظات الكثيرين علي سنوات إدارته إلا أنه استطاع الحفاظ على الأهرام كيانًا وهيبةً ومنصةً للرأي، من رئيس تحرير متحققة تنبض عروقها بحب الصحافة وعالمها الساحر والمزعج أيضا.. تؤمن بأن الشباب من أمثال أصدقائي وزملائي هم القادم الأفضل لا محالة.. إنها الكاتبة الصحفية الكبيرة سناء البيسي..
التي أثار بعض ما جاء في مقالها {امسحي دموعك يا سناء} شجوني وذكرياتي وأسفي..على ذلك الكيان الصحفي الذي قضيت مع أصدقائي فيه أجمل أيام العمر، والذي استفدت من إصداراته على المستويين الإنساني والمهني.. فلن أنسى أبدا تلك الأعداد الخاصة التي كانت تصدرها نصف الدنيا وما زلت أحتفظ بالكثير منها خاصة عدد الموسيقار..
نصف الدنيا مجلة لم تعدْ كما كانت لكل الدنيا.. بعد ما تعرضت له وما زالت من قرارات وأفكار أصابت المجلة الشابة بعَجَز وعَجْز بعد أن كانت تستمد مِدَادَها من حيوية شبابها الصحفيين، ورصانتها من خبرة أقلام كبار الكتاب والمبدعين سواء من أبناء الأهرام أو من ضيوفه..
ربما كانت البداية بعد أن رحلت عنها الكاتبة ذات القلم الساحر التي حققت حلم أن يكون لمؤسسة الأهرام مجلة نسائية عمرها الآن قرابة خمسة وثلاثين عاما، وحفرت اسمها على جدران شارع الصحافة الأستاذة سناء البيسي، وذلك عندما كُتب اسم المجلة نصف باللغة العربية والنصف الآخر بالحروف ELDONIA نصف الإنجليزية، والذي وصفته الأستاذة سناء بالبتر والإحلال..
وحتى الآن ورغم مرور سنوات لا أعرف لماذا وما فائدة هذا التغيير وما جدوى هذه الإضافة؟!
لنصل الى القرار الأغرب والأصعب والأقسى على قلب صاحبة الجلالة، والذي بموجبه تحولت نصف الدنيا من أسبوعية إلى شهرية، وتم دمجها مع إصدار آخر للأهرام وهو مجلة البيت..
في إجراء رفضته بل واستغربته الجماعة الصحفية، وفي المقدمة نقابة الصحفيين ببيان ومحاولات لاستدراك الأمر، أظنها لن تجدي لأن المبررات جاهزة والحجج حاضرة..
وما يقال عن أزمة الصحف القومية والصحافة الورقية ومدى وهنها وضعفها وقلة مواردها والذي قد حفظناه عن ظهر قلب.. دون الحديث عن الأسباب والمتسببين وكيفية العلاج الذي لن يكون الكيّ بكل تأكيد.
لقد جاء مقال الكاتبة الصحفية الأستاذة سناء البيسي.. موجعًا لمن يملك قلبًا ينبض، وعقلًا يفكر، وروحًا تواقةً لاستعادة كل ما كان جميلًا في حياتنا، رغم محاولات كلماتها الراقية لتوصيف أمر واقع، وأن التغيير -والذي أراه تدميرا- الذي طال نصف الدنيا هو سمت لحياة متعددة الأوجه، مثيرًا للأسف والأسى معًا على ذلك الكيان الصحفي الذى لم نعد نرى منه إلا بقايا ذكريات.. مشيرًا إلى الكثير من علامات الإستفهام والتعجب على ما آل إليه حال إعلام الدولة والناس..
الكاتبة الصحفية الراقية الأستاذة سناء البيسي إن ماوصل إليه حال.. نصف الدنيا.. يستحق البكاء ليتنا لا نقف عنده وفقط.