بوليوود وصمود ضد التجريف
من منا لا يتذكر عندما كنا نجلس محملقين في الشاشة نشاهد بكل ما يحمله سننا وقتها من تركيز فيما نراه من إبهار أكشن وغناء واستعراض.. من منا لا يتذكر دموعه وقت عرض فيلم التوأمان.. من منا يستطيع نسيان دارمندار وأميتاب بتشان وغيرهما من أبطال الأفلام الهندية التي صنعتها بوليوود..
وبوليوود لمن لا يعرف مصطلح يطلق على صناعة السينما في الهند والتي استطاعت وبكل قوة مقاومة التجريف الأمريكي للصناعة في دول العالم رغم أن السينما الهندية جاءت بعد الأمريكية.. فعندما أرادت أمريكا دخول عالم السينما بل والسيطرة عليه وصناعة تاريخها الفني اتجهت إلى دول المنشأ وعلى رأسها إيطاليا وفرنسا وبريطانيا، فجرفت الصناعة بهذه الدول التي لم يكن فن السينما بها فنًا عشوائيًا بل قائمًا على حضارة فنية وانسانية عريقة.
ويكفي أن نذكر إسم ثلاثة من أهم مخرجي السينما الإيطالية فلليني وديسيكا وبازوليني لنصل إلى تورنتوري التلميذ الأهم في مدرسة فلليني والذي تُدَرَس طريقته في الإخراج في أمريكا فيما يسمى تورنتوري شوت، كي نعرف أهمية السينما الإيطالية والتي كانت أول من ناله التجريف الأمريكي للسينما في العالم من أجل خدمة صناعة السينما الأمريكية.
وقد كان هذا التجريف ممنهجًا فعليك أن تنسى جذورك وتتذكر فقط أنك مواطن أمريكي تحمل جنسيتها وتعيش فيها وتخدم أهدافها والأمثلة على ذلك كثر.. آل باتشينو.. سكورسيزي.. دينيرو.. ودي بالما، وسيرجيو ليون، وسيلفستر ستالون، وغيرهم من أشهر مخرجي وممثلي السينما الأمريكية الأن من أصول إيطالية.
ولم يقدموا أي فيلم باللغة الإيطالية رغم أنهم لم يستطيعوا التخلص نهائيا من لكنتها، وعندما أراد دي نيرو تقديم فيلم من بطولته وإخراجه يتحدث عن إيطاليا بغير لغتها كان فيلم برونكس تال الذي يتحدث عن حياة المافيا في الحي الإيطالي بأمريكا.
أيضا دنيال دي لويس أكثر ممثل في العالم نال جائزة الأوسكار فحصل عليها ثلاث مرات وهو من أصول ايرلندية وقد منحته ملكة بريطانيا لقب سير، في الوقت الذي لم يحصل عليها أسطورة الإخراج تورنتوري في المسابقة الرسمية، وإنما حصل عليها في مسابقة الفيلم الأجنبي عن فيلمه سينما باراديسيو 1988، رغم أنه قدم فليمين من إنتاج مشترك مع هوليود أحدهما فيلم المايسترو وكل ذنبه أنه تمسك بجذوره الإيطالية حضارة وفنًا وإقامةً.
ولم ييأس العم سام الخبيث من استقطاب الكتاب والمخرجين النابغين في إيطاليا الذين قرروا التمسك بحضارتهم وهوية فنهم، فكان يعطيهم ما يشبه البعثة لأمريكا ليصنعوا أفلاما عالمية من إنتاجها وتحمل خلاصة عبقربتهم الفنية، على سبيل المثال لا الحصر برتو لوتشي، وانتونيوني، وبنيني، وحسبت ابداعاتهم لصالح صناعة السينما الأمريكية مثل فيلم الإمبراطور الأخير الحائز على جائزة الأوسكار.
تلك هي المعادلة.. سأعطيك الجنسية وأغدق عليك بالمال وأفتح لك أبواب الشهرة أو مزيدأً منها وأوفر لك أحدث تقنيات وآليات صناعة السنيما، فقط كن أداتي ل تجريف صناعة السينما في بلدك وبناء مجدي أنا حتى وإن كنتُ بلا حضارة أو تاريخ كما فعلت أمريكا.
وهو ما وقفت أمامه السينما الهندية ورفضته وصمدت، فلم نجد منها سوى نموذجًا واحدًا وهو شاروخان الذي قدم للسينما الأمريكيه فيلما واحدا تقريبًا.. لقد استطاعت السينما الهندية الصمود أمام هذا التجريف بالحافظ على الهوية والجذور وخصوصية الفن لديها.
فلم تنصهر لا في السينما الأمريكية ولا في غيرها بإشباع احتياجات السوق ودراسة آليات البقاء سواء داخل الهند أو خارجها، فكانت القنوات الهندية والأفلام الهندية المدبلجة بلغات ولهجات زادتها انتشارًا وحافظت على أسس بقائها ودعمت صمودها أمام أي تجربف.
برفض أي محاولة مهما كانت قوة مصدرها لهدم أسس ومبادئ صناعة السينما لديها، وسرقة مواهبها وإقامة كيانات علي أشلاء تاريخها وحضارتها الإنسانية والفنية لذا استطاعت بوليوود الصمود أمام هوليوود.. الأمر بسيط فقط أن تمتلك الرغبة.