رحلة الآلم والفرح
قال القديس يعقوب الرسول في رسالته كدرس هام لنا: "اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ" (يعقوب 1: 2). هذه الكلمات تبدو غريبة وربما صعبة الفهم في البداية. كيف يمكننا أن نحسب التجارب فرحًا؟ كيف يمكن للألم والصعوبات أن تكون مصدر سعادة؟
ولكن إذا تعمقنا في فهم هذه الكلمات، سنكتشف أن هناك حكمة إلهية عميقة وراء هذه الدعوة، دعونا نغوص أكثر بين كلمات الآية حتى نصل لطريقة تساعدنا على فهم وتجربة الفرح الحقيقي في وسط التجارب.
إدراك حقيقة التجارب
التجارب ليست مجرد مواقف صعبة نتعرض لها، بل هي أدوات يستخدمها الله لتشكيل شخصياتنا وإخراج أفضل ما فينا. كما يقول الكتاب المقدس: "لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ" (عبرانيين 12: 6). الله، كأب محب، يستخدم التجارب لتدريبنا وتنمية إيماننا.
كما يقول بطرس الرسول في رسالته: "لِكَيْ تَكُونَ تَزْكِيَةُ إِيمَانِكُمْ، وَهِيَ أَثْمَنُ مِنَ الذَّهَبِ الْفَانِي، مَعَ أَنَّهُ يُمْتَحَنُ بِالنَّارِ" (1 بطرس 1: 7). الله يعلم أن إيماننا يحتاج إلى اختبار وتنقية، وأن التجارب هي الطريقة التي يستخدمها لتحقيق ذلك.
لنأخذ قصة يوسف في العهد القديم مثلا. يوسف تعرض للكثير من التجارب والمحن، من بيع إخوته له كعبد، إلى سجنه ظلمًا في مصر. ولكن من خلال هذه التجارب، شكل الله شخصيته وأعده ليصبح واحدًا من أعظم القادة في تاريخ العهد القديم.
قال يوسف لإخوته: "أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرًّا، أَمَّا اللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْرًا، لِكَيْ يَفْعَلَ كَمَا الْيَوْمَ، لِيُحْيِيَ شَعْبًا كَثِيرًا" (تكوين 50: 20). هذه هي حقيقة التجارب، أنها تخرج ما فينا من قوة وإيمان، وتجعلنا أشخاصًا أفضل وأكثر نضوجًا.
التجارب ليست لضررنا بل لنفعنا
عندما نواجه التجارب، قد نشعر بأننا تحت ضغوط هائلة وأن الأمور تسير ضدنا. ولكن الحقيقة هي أن الله يستخدم هذه التجارب لنفعنا، كما يقول بولس الرسول: "وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ." (رومية 8: 28). الله يعمل من خلال التجارب ليحقق خطته في حياتنا، ويحول ما يبدو كضرر إلى خير وبركة.
دعونا نتأمل في قصة دانيال وأصدقائه الثلاثة في بابل. عندما رفضوا أن يعبدوا الأوثان، أُلقي بهم في أتون النار. لكن الله أنقذهم ولم يُصبهم أي ضرر. بل بالعكس، خرجوا من الأتون وشهدوا لقوة الله أمام الجميع. هذه التجربة التي بدت وكأنها ستؤدي إلى هلاكهم، انتهت بإظهار عظمة الله ونفعهم الشخصي. التجارب ليست لضررنا، بل هي فرص لنرى يد الله تعمل في حياتنا بطرق مدهشة.
زمن الضيقة مهما طال ستنتهي
مهما طالت التجارب وصعوبتها، فإن لها نهاية والله يعدنا بتعويضات عظيمة. كما يقول الكتاب المقدس: "لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا." (2 كورنثوس 4: 17). الله يعد بأن زمن الضيقة لن يدوم إلى الأبد، وأنه سيعوضنا بفرح وبركات لا توصف.
لننظر إلى أيوب، الذي عانى من فقدان كل شيء: أولاده، أمواله، وصحته. ولكنه صبر وثبت في إيمانه. في النهاية، عوضه الله أضعافًا مضاعفة، وعاش بقية حياته في بركة وسعادة. يقول الكتاب: "وَرَدَّ الرَّبُّ سَبْيَ أَيُّوبَ لَمَّا صَلَّى لأَجْلِ أَصْحَابِهِ، وَزَادَ الرَّبُّ عَلَى كُلِّ مَا كَانَ لأَيُّوبَ ضِعْفًا." (أيوب 42: 10). هذا يذكرنا أن الله يرى ويعرف معاناتنا، وأنه يعد بتعويضنا بأكثر مما نتخيل.
التجارب ليست سوى وسيلة يستخدمها الله ليظهر قوته ومحبته في حياتنا. فلنتعلم أن نحسبها كل فرح، لأنها دليل على أن الله يعمل في حياتنا. مهما كانت التجارب قاسية، فلنثق أن الله يعطينا القوة لننتصر، وأن نهاية الضيقة ستكون فرحًا وتعويضًا من الله. لنستمد قوتنا من الوعد الإلهي ونتذكر دائمًا أن الله معنا في كل خطوة، ويحول تجاربنا إلى فرص لنمو إيماننا ولتجلي مجده في حياتنا.
للمتابعة على صفحة الفيس بوك: @DR.PAULAW