مرارة الجحود والعقوق!
ما أصعب الجحود حين يأتي من الأقربين، فالجحود إنكارٌ للفضل، وهو ما نهى عنه القرآن الكريم بقوله "وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ".. الإنسان موصوف بالكنود، في قول الله تعالى: "إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ".. أما الكَنودُ فهو الشخص الذي يتناسى ما عنده من خير ولا يتذكرُ غيرَ المتاعِب..
والمعنى أن الإنسان كثيرًا ما ينسى الكثير من النِّعَمِ إذا حَلَّ به شيءٌ من المصائب، وهذا جحود لفضل الله على الإنسان، فما بالنا إذا لم يقر هذا الإنسان بالألوهية، وجحد حق الله خالقه.. وتلك أعلى مراتب الجحود.. ومن جحد فضل خالقه ولم يعترف بربوبيته وألوهيته.. فماذا تنتظر منه مع والديه أو الأقربين أو ذوي الفضل عليه؟!
من أعطى لله حقه، فمن الطبيعي ألا ينكر حقوق الخلق.. والعكس صحيح.. وهذه نتيجة تصل بنا لمحطة أخرى من الجحود؛ جحود الأبناء لفضل الوالدين بأي صورة من الصور، فجدال الوالدين جحود، ورفع الصوت في حضرتهما جحود..
يقول الله تعالى:"وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا" (الإسراء: 23، 24).
الله تعالى نهى عن قول "أفٍ" لهما فما بالنا بمن يخاصم والديه أو يقاطعهما أو يعاديهما أو يعتدى عليهما لفظًا أو بدنًا.. وما أكثر من نسمع عنه ونقرؤه من جرائم بحق الوالدين تجاوزت العقوق المعتاد إلى القتل أو الحجر عليهما أو وضعهما في دور رعاية المسنين!
الجحود عقوق ونكران للجميل بحق الوالدين، أو بحق الإخوة أو الجيران أو المعلمين وكل من أسدى للإنسان معروفًا، يقول رسولنا الكريم "من سأل بالله فأعطوه، ومن استعاذ بالله فأعيذوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه".
لا شك أن للوالدين فضلًا عظيمًا على أبنائهما؛ ونكران هذا الفضل هو جحود لا يغتفر، والجاحد لا يؤتمن، فكيف يطمئن المرء لصداقة إنسان جاحد.. وكيف يرضى بشراكته أو زواجه؟!
الجحود يخلق شعورًا بالمرارة وفقدان الثقة في الآخرين، ولهذا يقول الله تعالى "هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ" هذا هو قانون العلاقات السوية.. أما ناكر الجميل جاحد الفضل فهو شخص بلا مروءة ولا شهامة ولا إنسانية ولا شرف.. ومثل هذا الشخص أناني وانتهازي فاقد الأهلية في الحفاظ على الأمانة، فالمعروف أمانة وعمل الخير أمانة، ومن أحسن إليك فأنت مطالب بالإحسان إليه.. يقول الله تعالى "وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا"..
ومن ثم فإن من الواجب عليك أن تعترف لكل صاحب فضله بفضله، وإلا دخلت دائرة الجحود.. فهل بعد هذا تسأل: هل من الإنسانية والمروءة أن تنسى فضل والديك عليك، أو تنسى واجبك تجاه كل ذي رحم يجب عليك وصله حتى لا تكون من المفسدين.. يقول الله تعالى: "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ"!
واعلم أن كل ساقٍ سيُسقى بما سقا، وكل عاق سيقابل بعقوق مثل عقوقه، يا ابن آدم اعمل ما شئت كما تدين تُدان! فيا كل عاق لوالديه.. كيف سيكون شعورك إذا وجدت عقوقًا من أبنائك مستقبلًا، هل ستذكر ساعتها أنه سلف ودينٌ عليك، وماذا تتمنى ساعتها..
هل تتمنى عبثًا أن تعود بك الأيام لتحسن لوالديك، وتصل رحمك، وتفعل الخير في كل مكان.. وماذا يمنعك أن تفعل ذلك الآن.. حتى لا تصل إلى الأمنيات المستحيلة وأولها قولك "حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ رَبِّ ٱرۡجِعُونِ ٩٩ لَعَلِّیۤ أَعۡمَلُ صَـٰلِحࣰا فِیمَا تَرَكۡتُۚ"؟!