رئيس التحرير
عصام كامل

للإهمال وجوه كثيرة!

أكاد أجزم أن كل مهمل هو بالضرورة فاسد وليس كل فاسد مهملًا.. هذا ما  يجسد المثل العامي الفصيح بأن "بيت المهمل يخرب قبل بيت الظالم".. وهو مثَلٌ ينطوي على واقعية وموضوعية؛ فالإهمال نهايته الخراب، فإذا استشرى في مجتمع تسبب في تأخره وتعاسة أبنائه؛ وهو الوجه الآخر للفساد؛ فساد الضمير، وفساد الفطرة، وفساد التفكير..


وهنا تحضرني مقولة مهمة للشيخ الشعراوي رحمه الله بأن عناء الجيل الحالي هو نتاج كسل جيل سابق.. فالكسل إهمال للوجبات وتضييع للأمانة والمسئولية، يدل على فقدان النخوة والشرف والمروءة، وهو سوس ينخر في عظام المجتمعات ويبدد فرص أجيالها في حياة كريمة..

 

وليس هناك فارق بين مهمل وآخر إلا في حجم ما يترتب على إهماله من ضرر لكن النتيجة واحدة، خراب ودمار وضياع حقوق وإزهاق أرواح وإهدار موارد وتبديد فرص تقدم وتطور.. ولست في حاجة لدليل على ما أقول.. وإلا فقل لي بربك: ماذا تتوقع من طبيب أهمل علاج مرضاه إلا مزيدًا من تدهور واعتلال صحتهم وتضاؤل فرص شفائهم.. 

 

فماذا لو نسي هذا الطبيب فوطة في بطن مريضه بعد عملية جراحية مثلًا..وماذا لو أخطأ مهندس إنشاءات في تصميمات بناية شاهقة مثلًا ثم اكتملت منظومة الإهمال بالغش في مواد البناء تورط فيه مقاول فاسد..فكيف ستكون العاقبة؟

 

وماذا لو نام عامل مزلقان سكة حديد وترك هذا مزلقانه مفتوحًا ليهوي تحت عجلات القطارات من يسوقهم حظهم العاثر لموقع الجريمة..وماذا لو أهمل سائق سيارة وقادها بسرعة جنونية فاصطدم بغيره..وماذا لو تأخر المسئول أي مسئول في إصدار قرار ما في وقته.. 

 

وماذا لو أغمض رئيس حي عينيه عن المخالفات تاركًا إياها تكبر وتتوحش دون رادع حتى يتسع الخرق على الراتق وتصبح واقعًا لا سبيل لتغييره أو تصحيحه..وماذا لو ترك مراقب لجنة امتحانات الطلاب يغشون..ألا يتسبب ذلك في تخريج طبيب غشاش ومحامٍ فاسد..ومهندس مدلس..أليس ذلك وغيره مما نراه في حياتنا اليومية إهمالًا يفضى إلى خسارة أو خراب أو تدمير وإفساد وتضييع للحقوق

أليس القاسم المشترك بين كل هؤلاء المهملين واحدًا وهو اللامبالاة والبلادة والجهل وانعدام الضمير.. وقس على ذلك أحوالًا كثيرة.. فإذا ما اجتمع الإهمال والفساد في أي مجتمع.. فقل عليه السلام؛ 
المهل مجرم؛ والإهمال كما تقول دار الإفتاء المصرية لا يقل خطرًا عن الإرهاب والتخريب العمد؛ فالفرد الذي يهمل في أداء عمله تهاونًا أو تكاسلًا يلحق بمجتمعه كثيرًا من الخسائر..

ومن يفعل ذلك يكن عاصيًا لله ولرسوله، ومفسدًا في الأرض وخائنًا للأمانة التي ائتمن عليها.. ولا ننسى أن الله يقول في كتابه الكريم"إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا"{النساء:58}.
فهل يصح بعد كل هذا.. الاستهتار بالإهمال وخطورته على المجتمع.. وهل يصح غض الطرف عن جرائم المهملين في أي موقع؟!

الجريدة الرسمية