القوي
صلاة ووحدة وتعليم
في هدوء البرية ووحدتها العميقة، كان الأنبا موسى الأسود يسعى للسلام الداخلي، فكان في كل يوم يزيد فيه الاشتياق لحياة الوحدة التي كان يرى الآباء يعيشونها، ويريد الابتعاد عن صخب الحياة اليومية والاختلاط بالناس، لكي يتفرغ للصلاة والتأمل. لكن إخوته في الأسقيط كانوا دائمًا ما يشغلونه بأمور الدنيا ويذهبون له ليستسقوا من حكمته وروحانياته.
طلب المشورة
وفي أحد الأيام، قرر أن يأخذ النصيحة من أنبا مقار الكبير، وتوجه الأنبا موسى الأسود إلى أنبا مقار ليطلب نصيحته ويعرض عليه أمره والذي يفكر فيه. فقال له: "يا أنبا مقار، نفسي تهوى الهدوء والسلام، لكن الإخوة لا يتركونني وشأني." رد عليه أنبا مقار بحكمة قائلًا: "إن كنت تبحث عن السلام الحقيقي، فاذهب إلى البرية الداخلية، إلى الصخرة المعروفة باسم 'بترا'. هناك ستجد ما تبحث عنه."
وكأن هذا ما كانت تبحث عنه نفسه فاستجاب أنبا موسى الأسود للنصيحة في الحال وشد الرحال إلى الصخرة. وكانت الرحلة شاقة، والطريق طويل، لكن إيمانه كان قويًا. وعندما وصل، بدأ يشك في كيفية تدبير أموره هناك، خاصةً توفير الماء. وبينما كان يفكر، سمع صوتًا داخليًا يقول له: "ادخل ولا تهتم بشيء."، ولعله كان صوت الله يذكره بأنه كما كان مع موسى وشعبه في البرية وعالهم لسنوات سيعوله هو أيضًا، وربما ما يؤكد أنه ذلك تدبير إلهي هو اشتراكهم في نفس الاسم وهو موسى.
صلاته كآيليا
وحينها أخذ الأنبا موسى الأسود بنصيحة الصوت الداخلي وبدأ يستقر في المكان ولم يفكر في أمر معيشته. ولكن بعد فترة قصيرة، جاء إليه بعض الآباء لزيارته. أراد أن يكرمهم، فاستعمل آخر كمية ماء كانت لديه في جرة صغيرة ليطبخ لهم عدسًا. وبعد انتهاء الماء، أصبح قلقًا جدًا.
بدأ الأنبا موسى الأسود يدخل قلايته ويخرج منها، يصلي لله بحرارة، طالبًا منه الماء. وفي لحظة من اللحظات، مرت سحابة فوق الصخرة وأمطرت بغزارة، حتى امتلأت جميع أوعيته بالماء فكانت صلاته مستجابة كصلاة آيليا النبي الناري والذي صلى فانقطعت الأمطار وعندما صلى مرة آخرى أمطرت السماء.
وعندما سأل الآباء أنبا موسى عن سبب دخوله وخروجه المستمر، أجابهم الشيخ: "كنت أتحدث مع الله، قائلًا: 'لقد أتيت بي إلى هنا، والآن ليس لي ماء لعبيدك!' وبهذا الطلب المستمر، أرسل الله لنا المطر."
حياة الوحدة والتعليم
وربما حياة الوحدة قي القلاية وحياة الوحدة هي التي أعطت حكمة هامة ل القديس موسى الأسود والذي أعطاها إلى أحد الاخوة، ففي موقف آخر، جاء أخ إلى الأسقيط ليزور الأنبا موسى الاسود وطلب منه كلمة منفعة له ولحياته وهو في أول طريقه. فنصحه الشيخ ببساطة: "اذهب وامكث في قلايتك، وهي ستعلمك كل شيء." استغرب الأخ وسأل عن معنى هذه النصيحة، فرد عليه أنبا موسى: "القلاية هي مكان التأمل والصلاة، حيث يمكن للإنسان أن يتعلم من خلال العزلة والتفرغ للروحانية."
وهذا القول لا يتعارض مع أقوال الشيوخ الآخرين، بل يكملها. فكما قال أنبا مقار للمبتدئين، في الأيام الأولى من دخول القلاية، يجب أن يعملوا كما كانوا يعملون في المجمع، ومع مرور الوقت، ستعطيهم القلاية النظام المناسب لحبسهم.
الأنبا موسى الأسود كان دائمًا يرى أن الإنسان الذي يعيش في الوحدة يشبه عنقود العنب الناضج بفعل الشمس، أما الذي يمكث بين الناس وضجيجهم، فهو يشبه عنبًا غير ناضج، لا يحصل على النضوج الكامل الذي يمنحه الصفاء الداخلي والسلام الحقيقي.
للمتابعة على قناة التليجرام: @paulawagih