رئيس التحرير
عصام كامل

الشعراوي الوزير السياسي والإمام المجدد!

نجح الشيخ الشعراوى الذي تحل ذكرى رحيله السادسة والعشرون في هذه الأيام أن يسكن في القلوب بما قدمه من تفسير مبسط لآيات القرآن الكريم، حتى اعتبره الناس رمزا للوسطية والاعتدال وحلقة وصل بين القدماء والمعاصرين، وإماما مجددًا ويراه البعض أحد الأولياء الربانيين.


ولم يكن إمام الدعاة الشيخ محمد متولى الشعراوي عالمًا ربانيًا أفاض الله عليه بمجامع العلم والفهم والبصيرة، بل كان فوق هذا كله وزيرًا سياسيًا لم تزل قدمه في غواية المنصب ولا مطامع الدنيا، بل تولى الوزارة على مضض فلم يكن من طلاب الدنيا ولا عشاق الجاه والنفوذ، حتى أن الرئيس الراحل أنور السادات سأله يومًا: هل صحيح يا شعراوي أنك لا تجلس إلى مكتبك وتجلس إلى جوار الباب.. فرد إمام الدعاة بقوله: صحيح.. حتى إذا رفدتموني أقول يا فكيك!


وتلك طرفة لا تخلو من مغزى؛ فالرجل كان زاهدًا في المنصب، غير طامع في مغنم، بل كان جل همه الدعوة وخدمة الدين، اجتهد في طلب العلم حتى أعطاه الله من واسع فضله ما تضيق تلك السطور عن الإحاطة به.. 

 

وتبقى سيرته الطيبة نبراسًا يقتدى لشباب العلماء والدعاة، ونموذجًا ملهمًا للوزير السياسي الذي يعلم مقتضيات منصبه، وأنه جاء ليخدم المواطن ويعمل على راحته، لا أن يتعالى عليه، ولا أن يغرق في تفاصيل العمل اليومي وتقارير مرءوسيه الذين هم من عينة كله تمام أو ليس في الإمكان أفضل مما كان.. والنتيجة انفصام تام وفجوة لا يسهل جسرها بين الحكومة والناس!

ستظل ذكرى الشعراوي دروسًا لمن أراد أن يتجرد في طريق الدعوة إلى الله، وستظل ملهمة للمجددين الذين يمتلكون الفهم الصحيح للدين ويملكون مفاتيح العلم وأدوات الاجتهاد الحق والتجديد الحق، فقد كانت له لغته البسيطة التي تسكن القلوب وتجذب العقول حتى كانت سببًا في جعل كثير من البسطاء يفهون آيات القرآن الكريم.


سيظل نموذجًا ودرسًا بليغًا للوزير الواعي السياسي الذي لا يجد تعارضًا بين قبول منصب الوزارة والعمل لما فيه صالح الدين، وصالح الناس الذين جعل الله راحتهم وتخفيف المعاناة عنهم وتذليل سبل الحياة لهم وتمكينهم من حقوقهم هدفًا أسمى وأحد مقاصد الشرع الذي جعله الله لحفظ المال والنفس والعقل والدين والحياة.


اقرءوا سيرة إمام الدعاة وتمعنوا تفاصيلها وعلموها أولادكم إن أردتم تدينًا صحيحًا غير مغشوش ولا شكلي.. اقرءوها لتتسع مداركم وتعلموا مقاصد الدين الحق بفهم مستنير ورؤية عميقة تستلهم روح الدين ومستجدات العصر.. فذلك مقصد لو تعلمون عظيم! ندعو الله أن نري وزيرًا مثل الشيخ الشعراوي.. في التشكيلة الوزارية المرتقبة.

الجريدة الرسمية