رئيس التحرير
عصام كامل

القوي

جهاد مستمر (1)

في ضوء التأمل العميق لتوبة القديس موسى الأسود، نجد أنفسنا أمام مشهد رائع من التغيير الروحي والتحول النفسي، إذ انبثق النور الإلهي في قلب موسى كما ينشق الفجر بعد ليل طويل، وأضاءت كلمة الرب يسوع دربه. 

بداية جديدة

حين قرر القديس موسى الأسود ترك زملائه الأشرار الذين كان رئيسًا عليهم، بدأ رحلة ندم وتأمل، تارةً يكون فيها نادمًا حتى لا يستطيع النوم، وتارةً أخرى مستجمعًا قوته في طريق التوبة، حتى إن الشيطان الذي كان يرافقه منذ حداثته اضطر للاعتراف بالمسيح علنًا، مقهورًا بنور التوبة الذي شع في قلب موسى.

اعتراف من القلب

وفي لحظة من لحظات الندم العميق، ركع القديس موسى الأسود أمام قس الأسقيط واعترف علنًا بكل جرائم حياته، ولم يكن هذا اعترافًا عاديًا بل كان مصحوبًا بدموع غزيرة وتواضع كبير. ترافقت هذه اللحظات بقلوب مفتوحة لاستقبال التوبة، حيث قبله أنبا إيسيدورس وأرسله إلى القديس أنبا مقار الكبير الذي وضعه تحت رعايته، ليكمل تعليمه الروحي وينال سر المعمودية.

بمرور الأيام، سعى القديس موسى الأسود إلى تعميق إيمانه وانضم إلى حياة الرهبنة. إلا أن القديس إيسيذورس أراد أن يختبر صدق توبته فقال له: "نحن نعيش في ضيقات كثيرة من جهة محاربات الشياطين، وأنت قد لا تستطيع تحمل هذه الصعوبات. لذلك من الأفضل لك أن تعيش في المدن والأرياف" كانت هذه الكلمات بمثابة امتحان لموسى، لكنه اجتازه بنجاح، حيث أظهر صدق توبته وعزمه على التغيير.

رؤية القديس مكاريوس

أعاد  القديس موسى الأسود الاعتراف بخطاياه في الكنيسة، وعندما كان يعترف، رأى القديس مكاريوس في رؤية لوحًا عليه كتابة سوداء، وكلما اعترف موسى بخطيئة، كان ملاك الله يمحوها حتى صار اللوح أبيض تمامًا، كان هذا دليلًا واضحًا على قبول الله لتوبته الصادقة.

ثم نصحه القديس مكاريوس بالبقاء في البرية وعدم مغادرتها، حيث قال له: "إذا خرجت من البرية، ستعود إليك كل الشرور، ابق هنا، وسترى أن الله سيصنع معك رحمة ونعمة وسيسحق الشيطان تحت قدميك." التزم القديس موسى الأسود بهذا النصيحة ومارس حياة النسك والتوبة بغيرة شديدة، فكان لا يأكل سوى القليل من الخبز ويواصل الصلوات وعمل اليدين.

ولقد صار القديس موسى الأسود مثالًا حيًا للتوبة الحقيقية والانتصار على الخطايا بفضل الإرشاد الروحي والنصائح الحكيمة من القديسين، وبينما كان يصارع شهوات الجسد، كان يجد في صلواته وصومه القوة اللازمة للمواجهة، حتى أصبح راهبًا قديسًا يشهد الجميع لتقواه وزهده.

نكمل غدا

للمتابعة على قناة التليجرام: @paulawagih

الجريدة الرسمية