كلمة الحياة
أعطت من قلبها
كان يومًا عاديًا ولكن! في وسط الزحام وجدت الأرملة الفقيرة نفسها متوجهة إلى الخزانة، وفي ذلك الوقت كان هناك الكثير من الناس، أغنياء وفقراء، يلقون نقودهم، لكن عين الرب يسوع كانت تراقب كل شيء بدقة، فهو كان ينظر لكل ما يُفعل حوله، ويتأمل حركات الناس وتقدماتهم، فهو لم يكن مهتمًا بكمية ما يُلقونه، بل بالطريقة التي يُعطون بها.
الرب، الذي يملك الأرض وملؤها كما ذكر المزمور في الكتاب المقدس عنه، وهو الذي يفيض بخيراته على البشر والأرض لم يكن بحاجة إلى تلك النقود، لكنه كان ينظر إلى القلوب ليعرف حقيقة عطاءها، وكيف تقدم للرب، فكثيرًا ما نعتقد أننا عندما نعطي، فإننا نتفضل على الله بعطايانا، لكن الحقيقة هي أن كل ما نملكه هو منه، ومن يد الله نعطيه، فالكتاب كان قال: "لأَنَّ مِنْكَ الْجَمِيعَ وَمِنْ يَدِكَ أَعْطَيْنَاكَ".
ووسط كل هؤلاء الذين يلقون في الخزانة وبينما كان المسيح يراقبهم، كانت تلك الأرملة تحمل في يدها فلسين أي تقريبًا ثمن خمسة عصافير صغيرة، فالكتاب يقول:"أَلَيْسَتْ خَمْسَةُ عَصَافِيرَ تُبَاعُ بِفَلْسَيْنِ"، ولكن وهما كل ما تملكه لتعيش قررت أن تلقي بهم في الخزانة، ولكن عندما ألقت بهما في الخزانة، لم يكن ذلك مجرد فعل عادي.
الرب يسوع رآها وقال: «لأَنَّ هؤُلاَءِ مِنْ فَضْلَتِهِمْ أَلْقَوْا فِي قَرَابِينِ اللهِ، وَأَمَّا هذِهِ فَمِنْ إِعْوَازِهَا، أَلْقَتْ كُلَّ الْمَعِيشَةِ الَّتِي لَهَا»." (لو 21: 4)، إذ بعد أن ألقت فلسيها أصبحت بدون أي مال أو أي شيء يعينها على الحياة، ولكن فازت بقلب يحب بصدق ويعطي بإيمان وإخلاص.
ففي هذا الفعل البسيط، نجد درسًا عظيمًا، كيف نعطي نحن؟ هل نعطي من فائضنا، أم من إعوازنا؟ هل نقدم للرب عندما تكون أمورنا المادية جيدة، أم نضحي بما نحتاجه حقًا؟، هل نعطي فقط من أموالنا أم نعطي بصدق من قلوبنا، ونعطي من اهتمامنا وحياتنا ووقتنا حتى نخدمه ونخدم اخوته؟
الرب ينظر إلى ما وراء العطايا المادية، إنه فاحص القلوب، ولا يهمه الكم بقدر ما يهمه الكيف، فالإخلاص في العطاء والتضحية هو ما يقدره الرب، وهو ما ينتظره مننا حتى نفوز بمحبة قلبه الفياضة وسيل نعمه الذي يفيض في حياتنا وفي حياة كل من يعطيه من قلبه وقبل أن يعطيه من قلبه، يعطيه قلبه أولًا.
وعندما نفكر نجد الكتاب يقول: "أَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" أي بذل الله لنا ابنه الوحيد، فلماذا لا نضحي نحن بالزهيد من أجله؟ إذا كانت تلك الأرملة الفقيرة قد استطاعت أن تعطي كل ما تملك بثقة وإيمان، فلماذا لا نستطيع نحن أن نقدم من إعوازنا بنفس الإيمان والإخلاص؟، فنحن وأن اعطينا يرد الله لنا الخير بخيرات مضاعفة.
ويظل فقط في النهاية قرارنا الشخصي، هل سنقف مع أنفسنا ونتأمل في كيفية عطائنا؟، لتكون بداية جديدة لحياتنا أن نسعى أن نعطي للرب بكل إخلاص، معترفين بأن كل ما نملكه هو منه، ومنه نعطيه، وأنه هو الرب الذي ضحى بالكثير من أجلنا يستحق أن نضحي نحن بالقليل لأجله، أم سنظل على حالتنا ونظن أن ما لدينا هو بشطارتنا وننسى أنه بفضل نعمته هو.
للمتابعة على قناة التليجرام: @paulawagih