رئيس التحرير
عصام كامل

كلمة الحياة

الراحة عنده

في إحدى زوايا المدينة الهادئة، وسط حشد من الناس، وقفت امرأة تعصف بها أحزان الماضي وثقل الخطايا، فقد كانت نظرات الناس تتجه نحوها بتعجب وازدراء، فسمعتها السيئة تسبقها في كل خطوة تخطوها، ولم يكن في قلبها سوى رجاء واحد، أمل في تغيير مصيرها، وهذا الأمل قادها إلى بيت الفريسي حيث كان يسوع يجلس بين الحضور.

 

لقد كانت المرأة تدرك جيدًا أنها خاطئة، كما وصفها الإنجيل: "وَإِذَا امْرَأَةٌ فِي الْمَدِينَةِ كَانَتْ خَاطِئَةً" (لوقا 7: 37)، فهي لم تخفِ عن نفسها ولا عن الآخرين حقيقة ماضيها، لكنها كانت تدرك شيئًا آخر أهم، وهي النعمة التي تجلت في شخص يسوع.

 

ربما سمعت ندائه الهادئ المشجع لكل نفس تائهة ومتعبة في الحياة عندما قال: "تعالوا إليَّ يا جميع المُتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أُريحكم" (متى 11: 28). ومن ثم اندفعت نحوه، معبرة عن حاجتها الماسة للغفران والراحة من ماضيها ومن مصيرها المحتوم، ومن ثقل الخطية عليها، أرادت أن ترتاح وعرفت أن الراحة التي ظلت تفتش عنها كثيرًا ستجدها قرب الرب يسوع وليس سواه.

 

وحين وصلت إلى يسوع، لم تنطق بكلمة، بل اكتفت بأن جلست عند قدميه، وبدأت تغسلها بدموعها، تمسحها بشعرها، وتدهنها بالطيب، وكان صمت الحضور يتحدث بألف كلمة، فقد تساءلوا في سرهم عمَّا سيفعله يسوع، هل سيوبخها على خطاياها؟ هل سيطردها بعيدًا عن حضوره الطاهر؟

 

لكن يسوع، بنعمته التي تفوق كل تصور، ترك المرأة تعبر عن توبتها وحبها بهذه الطريقة الفريدة، فدموعها التي ظلت تزرفها عيناها كانت تقول الكثير؛ كانت تعبر عن قلب انكسر أمام قداسة المخلص فهي في محضره لقد رأت في يسوع القدوس الذي يكره الخطية ولكنه يحب الخاطئ، بل وكان هذا اللقاء بمثابة لحظة تحوُّل في حياتها، إذ أدركت أنها وجدت في يسوع المخلص الذي يعرف كل شيء عنها، ومع ذلك يحبها حبًا لا مثيل له.

 

وفي هذا المشهد، نرى تفاعلًا عجيبًا بين الحزن والفرح، بين الدموع والقبول. فدموع المرأة كانت علامة على التوبة والانكسار، بينما كانت قبلاتها وتمسحها لشعرها على قدمي يسوع تعبيرًا عن الحب والشكر، ولقد وجدت في يسوع الراحة الحقيقية، كما وعد: "تعالوا إليَّ.. وأنا أريحكم".

 

فليس هناك فرحة أكبر من أن تجد في يسوع المحب الذي يغفر ويشفي الجروح مهما كان حجم خطاياك ومهما كان حجم الجبال على عاتقك، فهو مازال منتظرًا لتقبل إليه فيريحك من أتعابك دون توجيه أي لوم أو عتاب، فقط ينتظرك بالحب والقبول الأبوي الطاهر.

 

 

وهنا، نتذكر كلمات الكتاب: "لأنه هو أحبنا أولًا" (1 يوحنا 4: 19)، فحب يسوع هو الذي جذب هذه المرأة إليه، وهو الذي يجذبنا نحن أيضًا. إذا انكسرت قلوبنا أمام خطايانا وأثقالنا، سنجد في حضوره الراحة والسلام، وسنختبر محبته التي تفوق كل فهم. دعونا نأتي إليه، كما فعلت تلك المرأة، حاملين أحمالنا وأثقالنا، لنجد فيه الغفران والراحة الأبدية.

للمتابعة على قناة التليجرام: @paulawagih

الجريدة الرسمية