في يوم الصحفي..
نستعيد ذكرى النضال والانتصار مع المجلس 39 (1)
سيظل نضال الجماعة الصحفية لإسقاط القانون المشبوه 93 لسنة 95 علامة فارقة على أمجاد وعنفوان صاحبة الجلالة، التي قيّض الله لها رجالا نافحوا عن حريتها ضد ترزية قوانين، أرادوا تكميم الأفواه وتأليب النظام ضدها في ذلك الوقت..
لكن الإصرار والعزيمة الصادقة والإيمان بقيم المهنة وتقاليدها العريقة والاستعداد للتضحية بذهب المعز وامتيازاته ومغرياته كان حدًا فاصلًا بين الانتصار لحرية الرأي والاستسلام للضغوط والتسليم بما تريده السلطة وقتها.
لقد خاضت نقابة الصحفيين التي شرفت بمنصب أمينها العام معركة الشرف قبل أكثر من 28 عامًا، حين انتفض مجلسها رقم 39 والذي ضم رجالًا وقامات يشار لهم بالبنان، وخاض أشد المعارك شراسة وأعظمها انتصارًا، وكانوا كتيبة شجاعة على رأسهم الكاتب الصحفي الراحل إبراهيم نافع رئيس تحرير ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام والذي كان محسوبا على النظام بقوة، ويتمتع بعلاقة خاصة مع الرئيس حسنى مبارك منذ كان الأخير نائبا للرئيس أنور السادات..
ولا أبالغ إذا قلت إن المجلس التاريخى لنقابة الصحفيين الذي ضم أيضًا الراحل جلال عيسى وكيلًا أول لمجلس نقابة الصحفيين، وكان الوكيل الثاني محمد عبد القدوس نجل الأديب الكبير إحسان عبد القدوس، وكنت أنا أمينًا عامًا لذلك المجلس، والراحل مجدى مهنا أمينًا للصندوق، وعضوية كلٍ من يحيى قلاش وأمينة شفيق وصلاح عبدالمقصود وحاتم زكريا.. والراحلين حسن الرشيدى وعبد العزيز خاطر ورجاء الميرغنى وإبراهيم حجازي.
لقد هبَّت نقابة الصحفيين ومجلسها آنذاك لتصطف خلف مواقف لا أشخاص، أفكار ورؤى عامة لا برامج خاصة ولا عنتريات فردية، تتسلح بسيف المعرفة ودرع الحقيقة وقوة الحجة والبرهان وصلابة الموقف حتى تحقق لها ما أرادت..
لتثبت أنها حصن لحرية الرأي والنشر على نحو رصين لا ينتقص منها ولا يحولها إلى صراخ وعويل أو هتاف أو عمل سياسي، فهى في النهاية نقابة رأى ومشعل تنوير وليست مقرًا حزبيًا ولا ينبغي لها أن تكون كذلك، وليست مركزا للنشطاء السياسيين ولا الحنجوريين من أي تيار أو فصيل وهذا هو سر النجاح في ملحمة إسقاط القانون 93.
لم يخضع المجلس 39 ومن ورائه الجماعة الصحفية كلها لأي ضغوط ولا استجابوا لأي ضغوط ولا إغراءات، ولم تمنعهم أي صعوبات ولا أي حسابات من خوض هذه المعركة بجسارة وإصرار لإسقاط قانون اغتيال الصحافة..
حيث انعقدت الجمعية العمومية غير العادية لنقابة الصحفيين فى 10 يونيو 1995 لوقف هذا التغول التشريعي على حرية الصحافة، رغم محاولات البعض حينئذ لاستعداء الدولة ضد الصحافة، بتصوير تلك المعركة كما لو أنها كانت ضد الرئيس شخصيًا وضد أفكاره ورغباته الخاصة..
وهو ما ظهر تهافته حين جلس مجلس النقابة وكنت بين أعضائه مع الرئيس وشرح الأمر بمنطقية وواقعية أدهشت الرئيس مبارك الذي قال إنه جرى تصوير ذلك الأمر على غير ما نقول تمامًا، ثم اقتنع بوجهة نظرنا وهو ما ساعد في إسقاط ذلك القانون المشبوه.
وللحق فإن الشرارة الأولى للمعركة من جانب الحكومة ومجلس شعبها، حين جرى إصدار قانون يتوسع فى حبس الصحفيين وسجنهم باتهامات مطاطة وفضفاضة، باسم الحفاظ على مؤسسات الدولة وحمايتها من الازدراء وعدم تعكير السلم العام..
وكأنه لم يعجبهم وقتها أن تتنسم الصحافة عبق الحرية أو تتمتع بهامش منها أخذ يتوسع شيئًا فشيئًا حتى طالت بالنقد نوابًا فى مجلس الشعب ووزراء ومسئولين كبارًا وهيئات عامة، بعبارات بدت شديدة وقاسية فلم يتحمل هؤلاء نقد الصحافة وهجماتها فانطلقت محاولات تكميمها، وحبسها خلف أسوار التشريعات، حيث جرى تغليظ العقوبات في جرائم النشر وإلغاء ضمانة عدم حبس الصحفيين احتياطيًا في هذه الجرائم..
ثم فوجئنا بالبرلمان وقتها وقد سارع بإقراره بين عشية وضحاها، بينما كان نقيب الصحفيين إبراهيم نافع في رحلة علاج بالخارج.. فهل استسلمنا وفقدنا الأمل.. والجواب في مقال الغد إن شاء الله.