أسامة أنور عكاشة الحاضر الغائب في الضمير الوطنى!
منذ أيام عبرت بنا الذكرى الـ 14 لرحيل أسامة أنور عكاشة الحاضر الغائب في الوجدان الشعبي بما تركه من أعمال فنية خالدة، ومنها مسلسل أنا وبابا في المشمش، وأجزاء ليالي الحليمة الخمسة، وأرابيسك، وزيزينا، وضمير أبلة حكمت، والمشربية، والشهد والدموع، وغيرها من مسلسلات عبقرية جسدت مدى ثقافة ووطنية عكاشة..
فضلا عن سعة اطلاعه، وارتباطه بالماضى والمجتمع، وإدراكه للحاضر بكل تفاصيله وتنويعاته، والاهتمام باستمرار العمل والتأليف ورصد عادات المجتمع المصري في كلمات وحوارات وأعمال درامية ولدت لتعيش منذ البداية وإلى الآن في الذاكرة الشعبية المصرية والعربية.
روعة الحس الفني والسياسي والاجتماعي الكامن في أعمال أسامة أنورعكاشة تجعلنا نتساءل بشغف ودهشة: كيف كان هذا المبدع عميق الفكر والإحساس يعطينا دروسًا في الوطنية والسياسة والتاريخ والفلسفة والأخلاق والجمال والهوية المصرية.. ويحارب التطرف والفساد والقبح والكره والظلم.. من دون أن تشعر بأي تلقين أو افتعال أو اصطناع أو مباشرة أو كلام إنشائي وكأننا في مدرسة أو كتاب.. وبجمل حوارية تتذوقها وتشعر بها وتسكن قلبك وذاكرتك ولا تخرج منا أبدًا حتى تكتسي طابع الخلود.
إبداع أسامة أنور عكاشة
كيف نجح أسامة أنور عكاشة في حفر كل هذا الكم من الشحصيات الدرامية بإبداع مذهل وبساطة ونعومة ووعي وفهم للشخصية المصرية بمختلف تنوعاتها وتناقضاتها.. لدرجة أن أشهر نجوم مصر لا يزالون معروفين حتى الآن بأسماء شخصيات جسدوها؛ فإذا قلت مثلا العمدة غانم تداعي إلى الذهن الرائع الرحل الكبير صلاح السعدني!
من أين استمد عكاشة القدرة على التوازن والموضوعية وتحري الدقة والأمانة الشديدة في نقل الأحداث وصياغة التاريخ في خلفية مسلسلاته.. دون أن يجامل أنظمة ولا أحزابًا ولا جماعات ولا أفرادًا.. ومن أن يترك آراءه أو انطباعاته تطغى على حقيقة أحداث عاشها هو بنفسه وتأثر بها وكان له موقف منها بالتأكيد..
بل ما تدركه بوضوح هو أمانته الشديدة وموضوعيته في تفنيد سلبيات العهد الناصري قبل إيجابياته.. رغم أنه من محبى عبد الناصر بل من أكثر المنحازين لتجربته ومسيرته..
للأسف لم نجد كاتبًا فذًا يعوضنا عن أسامة أنور عكاشة الذي فقدناه جسدًا لكن روحه لا تزال حية باقية في إبداعه وعطائه وإخلاصه لفنه وجمهوره وبلده، عاشقًا لترابه مخلصًا لتاريخه، وفيًا لمبادئه..
رحل عنا بجسده لكنه غرس بداخلنا وعيًا بحركة التاريخ والقيم والأخلاق.. وتلك معانٍ عظيمة من الصعب نسيانها أو التغافل عنها.. لكن هل تذكر الإعلام أسامة أنور عكاشة في ذكراه، وهل احتفى بأعماله الخالدة أم انشغل عنه كعادته بتفاهات الأمور وسفافها.. رحم الله مبدعنا الحاضر الغائب في وجداننا وعقولنا.. "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ".. ويبقى السؤال هل يمكن أن يجود الزمان بعكاشة جديد للدراما؟!