رئيس التحرير
عصام كامل

نواب الأغلبية.. أحلى من الشرف مفيش

لم أكن شغوفا وأنا أتابع إحدى جلسات مجلس النواب أثناء مناقشة الموازنة العامة، فقط أتابعها بحكم "الشغل" عندما طالب نائب بالمجلس بمحاكمة الحكومة، ومضت العبارة بالنسبة لأمثالي عادية جدا غير أني فوجئت بمن يطلب الكلمة من نواب الأغلبية.


انبرى الرجل الذي لا أعرف اسمه -ولم أرغب حتى في معرفة اسمه- ورفع صوته جهوريا وهو يعترض على عبارة "محاكمة الحكومة" وكأن بها خدش حياء للمذكورة، مطالبا بحذفها من المضبطة، وحاول رئيس المجلس المستشار حنفي الجبالي أن يمرر العبارة مؤكدا أنها معنى مجازي لا أكثر.


وتصورت أن المسألة انتهت، إلا أن هناك كما يقولون من يأتي في "الهايفة ويتصدر"، عندما طلب آخر من نفس الحزب الكلمة، وانبرى مدافعا عن الحكومة مطالبا بحذف العبارة من المضبطة وحاول رئيس المجلس مرة ثانية تمرير المسألة دون جدوى.. فحذفوها!
قبيل الجلسة بوقت قصير كنت أقرأ تفاصيل أول "مانشيت" لأول صحيفة معارضة في التجربة التعددية الثانية والتي صدرت في 14 نوفمبر من العام 1977م عندما فكر رئيس تحريرها الدكتور صلاح قبضايا في وضع مانشيت ساخن يجذب القراء.


كانت لدى صحيفة الأحرار التي يجهزونها في ذلك الوقت مستندات وأوراق مهمة حول المحصول الأهم في حياة مصر ألا وهو القطن، ففكر مجلس التحرير في توثيق هذه الأوراق فكتبوا استجواب لعضو المجلس الراحل الأستاذ محمد عبد الشافي وكان عضوا عن حزب المعارضة في ذلك الوقت وهو الأحرار.

كتبوا الاستجواب وتقدم به عبد الشافي إلى المجلس يوم الأحد السابق لصدور العدد بيوم واحد، وصدر أول عدد من الأحرار تحت عنوان "محاكمة ممدوح سالم رئيس الحكومة"، وبالطبع تلقفت الجماهير العدد الأول من صحيفة المعارضة بنهم، حتى أن الصحيفة اضطرت لطباعة أعداد مضاعفة غير التي طبعوها في الطبعة الأولى.


كانت المرة الأولى منذ قيام ثورة يوليو التي تذكر فيها كلمة "محاكمة" قبل اسم مسئول كبير لا يزال في الحكومة، واستكملت الصحيفة أعدادها التالية حول ردود الأفعال التي كانت ثرية للغاية بعد مانشيتها الأول، كما لو أنها ألقت حجرا في البحيرة الراكدة منذ خمسة وعشرين عاما قضتها الصحافة متوافقة العناوين والموضوعات تحت شعار واحد وهو تأليه الحاكم وتقديس الحكومة.


انتهى عصر تقديس المسئول الحكومي منذ هذا الوقت، واستمرت صحف المعارضة، ومن بعدها الصحف الخاصة، في تناول أي مسئول مهما كان شأنه، ولم نكن نتصور أن نصل بعد ثمانية وأربعين عاما من أول مانشيت إلى هذا المستوى المتدني من تعاطي نواب الأغلبية مع عبارة، مجرد عبارة.
 

 


والحقيقة أن الذي يجب محاكمته هو حزب يتصور أنه حزب الأغلبية، لم يستطع حتى تاريخه من التعاطي مع قضايا جماهيره، إن كانت له جماهير، ولم يقرأ تاريخا كان فيه نواب المعارضة يحاكمون وزراء ورؤساء حكومات على الهواء مباشرة دون أن يجرؤ أحد على منع أو حذف مجرد عبارة!

الجريدة الرسمية