خطايا خالد عبد الغفار
ولد خالد عاطف عبد الغفار فى الرابع والعشرين من نوفمبر من العام 1962م أي بعد ثورة يوليو بعشر سنين، ونَعِم الرجل بتعليم مجانى وتكفَّلته الدولة حتى تخرج فى كلية طب أسنان القاهرة، وتدرج فيها حتى أصبح مدرسا بها، ثم فجأة انتقل إلى جامعة عين شمس التى وصل فيها إلى مناصب ومواقع عدة انتهت به نائبًا لرئيس الجامعة.
طوال رحلة خالد عاطف عبد الغفار التعليمية وهو محاط بعناية الدولة المصرية التى أقرت مجانية التعليم له ولغيره من المتفوقين وغيرهم، وأنفقت عليه الدولة من حر مال الشعب الكثير والكثير لكى يصبح واحدا من علماء مصر ونخبتها الجامعية، فماذا فعل عندما أصبح وزيرا للتعليم العالى؟
اخترع ما يسمى بالجامعات الأهلية، وهى تسمية خاطئة مائة فى المائة، حيث إن الجامعات الأهلية ومنها القاهرة وعين شمس التى نعم فيهما عبد الغفار بعناية خاصة أنشئت بتبرعات أهل الخير ورجال مصر وأغنيائها وكبرائها وعلية القوم فيها من أجل توفير بيئة تعليمية عظيمة لخالد وأمثاله من المصريين.
أما الجامعات الأهلية التى اخترعها الدكتور خالد عبد الغفار فهى جامعات خاصة يلتحق بها المصريون وغيرهم بدفع مبالغ طائلة، وانقسمت هذه الجامعات إلى قسمين، قسم خاص بالجامعات القديمة مثل القاهرة وعين شمس والمنصورة وغيرها من الجامعات الحكومية المجانية، وقسم آخر مثل الجلالة، وهى جامعات خاصة بالمعنى الحرفى لفكرة القطاع الخاص، ولكنّ كليهما لا يقبل طالبا لا يملك من المال ما يدفعه من عشرات الآلاف، وهكذا اختلط الحابل بالنابل.
هذا الخلط بين الأهلى والخاص كان نتاج فكرة خالد عبد الغفار، صحيح التحق عشرات الآلاف بالجامعات الخاصة الحكومية! ولكن الجامعات الأخرى التى أضيفت بشكل يمثل القطاع الخاص لم تحقق هذا النجاح، لأنها ولدت ولادة متعثرة بعض الشيء رغم إنفاق المليارات عليها.
هذا التحول الذى جاء به واحد ممن حظوا بتعليم مجانى تسبب فى كثير من المشكلات سنجنى ثمارها لسنوات طويلة بعد رحيل عبد الغفار عن التعليم العالى ومجيئه فى غفلة من الزمن إلى وزارة الصحة المصرية التى أنشئت أيضًا لتوفير علاج بالمجان لبسطاء مصر، فماذا فعل فيها خالد عبد الغفار؟
نسيت أن أقول إن خالد عبد الغفار الذى تعلم بالمجان كان وأسرته يعالجون أيضًا بالمجان فى مستشفيات مصر بوصفه مواطنا مصريا، غير أنه فجأة وفى عهده قرر الانقلاب على بسطاء مصر وفقرائها والمعوزين فيها دون أن يرمش له جفن أو يحن له قلب أو "ينقح" عليه ضمير.
قبل أن يغافلنا برلمان الدكتور حنفى الجبالى بالموافقة على قانون أطلق رصاصة الغدر على ما تبقى للمصريين من فرص العلاج بالمجان فى مستشفيات أنشئت أصلا من دم هؤلاء الغلابة ومن ضرائبهم ومن رسومهم، وهو ما أطلق عليه «قانون تأجير مستشفيات الحكومة للقطاع الخاص»، كان عبد الغفار وقبل صدور هذا القانون قد أعلن عن نيته تأجير مستشفى مبرة المعادى إلى رئيس مجلس إدارة مستشفى مدينة نصر أو رابعة العدوية الدكتور أحمد سعفان.
وكان تأجير مستشفى مبرة المعادى إلى أحمد سعفان عملية ممزوجة بالغموض، ولا تخلو أبدا من رائحة فساد لا نتهم عبد الغفار فيها بشكل مباشر، إذ إن أحمد سعفان رئيس مجلس إدارة مستشفى مدينة نصر هو نفسه أحمد سعفان رئيس قطاع الطب العلاجى بالوزارة، أي أن الرجل أجر لنفسه!
وأحمد سعفان رئيس قطاع الطب العلاجى بوزارة الصحة استيقظ صباحا ليقرر تأجير مستشفى تابع له فى وظيفته الحكومية إلى أحمد سعفان رئيس مجلس إدارة مستشفى مدينة نصر أحد مستشفيات جماعة الإخوان الإرهابية، والتى تدار ضمن إدارة أموال الإخوان.
الطريقة نفسها وقبل أن يكون لها وازع قانونى عملية فاسدة بالورقة والقلم، إذ إن تعارض المصالح بين أحمد سعفان مسئول الطب العلاجى بالوزارة والمسئول عن مبرة المعادى الحكومية وبين أحمد سعفان الذى يدير مستشفى مدينة نصر وهو قطاع خاص أو تابع لجمعية أهلية فساد لا تخطئه العين المجردة.
والقصة ليست فى سعفان ولا فى برلمان الجبالى، وإنما تكمن فى هذا التحول الذى جرى لشخصية أستاذ جامعى وصل لأعلى المراتب العلمية وأعلى المناصب بحكم تعليمه المجانى وعلاجه المجانى وينقلب فجأة على مجريات حياته، إننا أمام حالة فصام غير مبررة..
وسيكتب التاريخ أن الوزير الذى غير من مفاهيم الجامعات الأهلية وصدر فى عهده قانون يسمح بتأجير مستشفيات وزارة الصحة إلى القطاع الخاص هو مواطن حظى بتعليم مجانى وعولج هو وأسرته بالمجان فى مستشفيات الدولة، والسؤال الآن: بعد السماح بتأجير هذه المستشفيات هل نحن بحاجة إلى وزارة صحة وإلى وزير للصحة من أساسه؟!